من أقسام الشرك في الالوهية
الشرك في توحيد الألوهية
إن أكثر أنواع الشرك شيوعا بين الناس هو الشرك في الألوهية، ويكون بصرف شيء من العبادة لغير الله تعالى، أو بصرف شيء منها لله ولغيره من المخلوقات.
يقول ابن القيم ":والتوحيد الإرادي العملي له ضدان :الإعراض عن محبته والإنابة إليه والتوكل عليه، أو الإشراك به في ذلك واتخاذ أولياء وشفعاء من دونه".
ويعرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب الشرك بقوله :هو أن يدعو مع الله غيره، أو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة، أو يقصد غير الله بشيء من أنواع العبادة، ومن فعل ذلك فقد اتخذ هذا الغير ربا وإلها من ودون الله، وأشرك مع الله غيره، وهذا هو الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه وأنكره على المشركين، وأخبر أنه لا يغفره ألبتة، قال تعالى :" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمكن يشاء" (سورة النساء:48،116)، وقال تعالى :" إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما الظالمين من أنصار" (سورة المائدة:72).
وأكثر النوعين من الشرك انتشاراً بين الأمم هو النوع الثاني، أعني صرف العبادة لله ولغيره، لأن لفظ الشريك يشعر بالإقرار بالله تعالى، فالمشركون جعلوا لله شريكا في العبادة، قال الله تعالى على لسان عاد قوم هود في مواجهتهم لنبي الله عليه السلام :" قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده" (سورة الأعراف:70)، أي لنفرده ونخضه بالعبادة من دون آلهتنا، وهم كانوا يعبدون مع الله غيره، ويشركون معه سواه، ويتخذون الأوثان والأنداد، وقد أمروا هم وغيروا بترك ذلك، قال تعالى :" ولا تجعلوا لله أنداد وأنتم تعلمون" (سورة البقرة:22).
يقول المقريزي :" والشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عباد الأصنام، وعباد الملائكة، وعباد الجن، وعباد المشايخ والصالحين :الإحياء والأموات، الذين قالوا :" ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" (سورة الزمر:3)، ويشفعوا لنا عبده، وينالنا بسبب قربهم من الله كرماة لهم قرب وكرامة...".
ومما يبين أن المشركين كانوا يعبدون مع الله غيره أنهم كانوا يقولون في تلبيتهم للحج :" لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك" وكان عليه الصلاة والسلام يسمعهم عند قولهم (لا شريك لك) ويقول :" قد أفردوه جل جلاله لو تركوا قولهم : إلا شريكا هو لك"، فنفس شركهم بالله تعالى إقرار به تعالى. قال تعالى :" أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون "(سورة الأنعام:22)، وقال :" قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون"( سورة الأعراف:195)، وقد عبد المشركون الأصنام والأوثان والأنداد اعتقادا منهم أنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم، فجاءتهم رسل الله عليهم السلام يدعونهم إلى وجوب إفراده وتخصيصه وحده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه.
أصل الشرك في توحيد الإلهية:
إن أصل الشرك وحقيقته التشبيه، أي تشبيه المشركين اوثانهم وأصنامهم المعبودة بالله تعالى، أو التسوية بين الأصنام والأوثان وغيرها من المعبودات وبين الله تعالى في العبادة، فمن أحب غير الله وخافه ورجاه كما يحب الله ويخافه ويرجو فقد أشرك بالله، وكذا من أحب مع الله تعالى شيئا غيره، قال تعالى :"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله" (سورة الأنعام:165)، وقال تعالى :"ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" (سورة الأنعام:1) أي يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة، وقال تعالى حكاية عن قول المشركين في النار لأصنامهم :"تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين" (سورة الشعراء:98)، أي نسويكم برب العالمين في العبادة والمحبة.
يقول ابن تيمية :" فأما الشرك في الإلهية فهو :أن يجعل لله ندا أي مثلا في عبادته، أو محبته، أو خوفه، أو رجائه، أو إنابته، فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، قال تعالى :"قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" (سورة الأنفال:38)، وهذا هو الذي قاتل عليه رسول صلى الله عليه وسلم مشركي العرب، لأنهم أشرموا في الإلهية".
يقول ابن القيم : إن القرآن الكريم مملوء بالنصوص التي تبين بطلان أن يكون في المخلوقات ما يشبه الرب تعالى أو يماثله. والتمثيل والتشبيه الذي كان سائداً في الأمم هو تشبيههم أوثانهم ومعبوديهم به تعالى في الإلهية. وهذا التشبيه أصل عبادة الأصنام. والذي أنكره الله تعالى على الكفار هو تشبيه المخلوق به، حتى جعلوه نداً لله تعالى ، يعبدونه كما يعبدون الله، قال تعالى :" فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون" (سورة البقرة:22)، وقال :" ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله "(سورة البقرة:165)، فهؤلاء المشركون جعلوا المخلوق مثلاً للحالق، فالند :الشبه، يقال فلان ند فلان ونديده، أي مثله وشبهه. ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن قال له ما شاء الله وشئت :أجعلتني لله ندا؟ قال ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى :" فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون" (سورة البقرة:22)" :"لا تجعلوا لله أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله"، وقال ابن زيد :"الأنداد الآلهة التي جعلوها معه"، وقال الزجاج "أي لا تجعلوا لله أمثالا".
ويضيف ابن القيم :"ومثله: قوله تعالى عن هؤلاء المشبهين إنهم يقولون في النار لآلهتهم :" تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين" (سورة الشعراء:97-99)، فاعترفوا أنهم كانوا في أعظم الضلال وأبينه، إذ جعلوا لله شبها وعدلا من خلقه سووهم به في العبادة والتعظيم.
وقال تعالى :"رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا" (سورة مريم:65). قال ابن عباس: شبها ومثلا، وهو من يساميه. وذلك نفى عن المخلوق أن يكون مشابها للخالق ومماثلا له, بحيث يستحق العبادة والتعظيم... المشركون المشبهون جعلوا بعض المخلوقات مشابها له مسامياً ونداً وعدلا، فأنكر عليهم هذا التشبيه والتمثيل ".
يقو المقريزي :" واعلم أن من خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه, وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعاً وفطرة, فمن جعل ذلك لغيره فقد شبه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، اخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبدا.
ومن خصائص الإلهية العبودية التي لا تقوم إلا على ساق الحب والذل، فمن أعطاهما لغيره، فقد شبهه بالله سبحانه وتعالى في خالص حقه، وقبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا – كما روى ذلك أعرف الخلق به ويخلقه – عموا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسنا".
ولقد حارب القرآن الكريم كل ألوان الشرك في الألوهية، وحرم كل وسائله، ونفى عن هذا النوع من التوحيد كل شائبة شرك، لكن الشرك في الألوهية أخطر أنواع الشرك، فركز القرآن على وجوب عبادة الله وحده وعدم استحقاق غيره أي نوع من أنواع العبادة. وفي القرآن الكريم عشرات الآيات التي تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له منها :قوله تعالى :" لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" (سورة الأعراف:59)، وقوله تعالى :" وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أن لا إله إلا أن فاعبدون "(سورة الأنبياء:25) ووردت في القرآن آيات بخصوص كل عبادة تبين وجوب إفراده وتخصيصه تعالى بها. منها : قوله تعالى في عبادة الحب :" ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله" (سورة البقرة:165)، وقوله تعالى في عبادة التوكل :" وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " (سورة المائدة:23)، وقوله في عبادة الخوف :" فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين" (سورة التوبة:13)، وقوله في عبادة الرجاء :" أولئك يرجون رحمة الله "(سورة البقرة:218)، وقوله :" ويرجوا رحمة ربه" (سورة الزمر:9)، وقوله في عبادة الدعاء :" ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين" (سورة يونس:106)، وقوله :" وقال ربكم ادعوني استجب لكم " (سورة غافر:60)، وقوله :" ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" (سورة الأعراف:55)، وقوله في عبادة الاستغاثة :" إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " (سورة الأنفال:90)، وقوله في عبادة الاستعاذة :" فاستعذ الله من الشيطان الرحيم" ( سورة النحل: 98 ), وقوله :" قل أعوذ برن الفلق" ( سورة الفلق:1), وقوله :" قل أعوذ برب الناس" (سورة الناس:1)، وقوله :"وإما ينزعك من الشيطان نزع فاستعذ بالله إنه سميع عليم" (سورة الأعراف:200)، وقوله في عبادة التوبة :"وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" (سورة النور:31)، وقوله في عبادة الصلاة والذبح :"فصل لربك وأنحر" (سورة الكوثر:2)، وقوله :" إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" (سورة الأنعام:162-163) والآيات الكريمة في هذا الصدد كثيرة جداً.
السؤال: أقسام الشرك في الألوهية
الإجابة: 1- الشركة في الدعاء / 2- الشرك في الطاعة / 3- الشرك في المحبة / الشرك في النية