خطبة الجمعة القادمة أوقاف أون لاين
عناصر خطبة الجمعة القادمة 8 أكتوبر 2021م بعنوان : فضل الشهادة ومنزلة الشهيد وفلسفة الحرب في الإسلام ، للشيخ كمال المهدي:
- منزلةُ الشهداءِ عند اللهِ تعالى.
- الحكمةُ من الحرب. ِ
- مبادئُ الإسلامِ في الحرب. ِ
- نماذجٌ للصحابةِ في تطبيقِهم لمبادئ الحرب.ِ
- رسالةٌ للإرهابيين الذين ضلَّ سعيُهم في الحياةِ الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعَا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 8 أكتوبر 2021م ، بعنوان : فضل الشهادة ومنزلة الشهيد وفلسفة الحرب في الإسلام ، كما يلي:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين سيدِنا محمدٍ عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ.
أما بعد :- ُ
أحبتي في اللهِ :- كلما يقبلُ علينا هذا الشهرُ الذي نحن بصددِه يذكرُنا بحرب السادسِ من أكتوبر. هذه الحربُ التي قاتلَ فيها أبناءُ هذا الوطنِ بكل بسالةٍ وشجاعةٍ دفاعًا عن وطنهِم الغالي فأصبحوا أبطالاً خلدَ التاريخُ ذكرَاهم ضحوا بالغالي والنفيسِ ضحوا بأرواحِهم ليحيا غيرُهم فهنيئا لهم.
هؤلاءِ الشهداءُ أرفعُ الناسِ درجةً بعدَ الأنبياءِ والصديقين، يقولُ تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: ٦٩].
وهذا فضلٌ من الله يؤتِيه مَن يشاءُ من عبادِه ، فالشهادةُ إذن مكانةٌ خاصةٌ لبعض الناسِ الذين أرادَ اللهُ أنْ يرفعَ درجتَهم، واختارَهم لهذا الفضلِ وهذه المكانةِ قال تعالى :(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)[آل عمران:١٤٠]
*فالشهادةُ منحةٌ وليست محنةً، إذا أرادَ اللهُ أنْ يرفعَ درجةَ إنسانٍ اختارَه شهيدا. ومنحَه هذا العطاءَ العظيم.
قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: ١١١]
*هؤلاء الشهداءُ لما علموا أنها تجارةٌ رابحةٌ وعلموا أنّ الذي وعد بذلك هو اللهُ ومن أوفي بعهدِه من اللهِ ما خافوا ولا فزعوا بل تقدموا بقوةٍ وثباتٍ لا يهابون الموتَ.
أحبتي في الله :-
إنّ لذةَ الشهادةِ في سبيل الله لا يُحصيها قلمٌ، ولا يصفُها لسانٌ، ولا يحيطُ بها بيانٌ..
ولو أننا أردنا أنْ نذكرَ ما أعده اللهُ جل وعلا للشهداء ما وسعنا الوقتُ ولكن حتى لا أطيلَ على حضراتِكم أقولُ لكم يكفينا في هذا المقامِ أن نذكرَ هذا الحديثَ الجامعَ الشافي الوافي.
عن المقدامِ بن معدي كربٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (للشهيد عند اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفَرُ له عند أولِ دفعةٍ من دمه، ويرى مكانَه في الجنة، ويأمن من الفزعِ الأكبرِ، ويوضع على رأسه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما عليها، ويُزوَّجُ ثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويُشفَّعُ في سبعين من أهله)؛ رواه أحمد وابن ماجه،
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:(الشهيدُ يُشفَّعُ في سبعين من أهلِ بيتهِ).
!! فأيُّ فضلٍ أعظمُ من ذلك فهنيئا للشهداء..
أحبتي في الله :- لو أردنا أنْ نتكلمَ عن فضل الشهادةِ ومنزلةِ الشهداءِ ما وسعنا الوقتُ فما أعدَّهُ اللهُ جل وعلا للشهداء يعجزُ اللسانُ عن وصفهِ. تعالوا بنا لنلقي نظرةً أخرى علي أمرٍ من الأمور الهامةٍ ألا وهو فلسفةُ الحرب في الإسلام ولسائلٍ أنْ يسألَ ما الحكمةُ من الحرب؟
** بدايةً أقولُ :- إنّ الحربَ في الإسلام ليست حرباً همجيةً ولا عدواناً سافراً ولا قتالاً مُجرّداً من كلِّ خلقٍ وفضيلةٍ، فالإسلامُ دينٌ لا يُحبُ سفكَ الدماءِ ولا يدعو إلى الحرب من أجل الحربِ ولا يهدفُ إلى إهلاكِ الخَلقِ ولا إلى إبادةِ البشريةِ، بل هو رسالةُ الرحمةِ والرأفةِ ورسالةُ نشرِ السِلمِ والأمنِ والأمانِ.
فالسلمُ هو الأصلُ في دين الإسلامِ ، وقد كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أصحابَهُ ويوجِّهَهُم فيقولُ لهم مربيًا:(لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ..).
** كما جعلَ اللهُ تعالى السلامَ هو أصلُ العلاقةِ بين المسلمين وغيرِهم ، ونهى المسلمين عن حربِ غيرِهم إلا إذا اعتدى غيرُهم عليهم ، فوضعَ قاعدةً ذهبيةً في التعاملِ مع الغيرِ بقوله تعالى:(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة : ٨].
فالمسلمُ بطبيعتِه يَكْرَهُ القتلَ والدماءَ، قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)[البقرة: ٢١٦].
ومن ثَمَّ فهو لا يبدأُ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بِكُلِّ الطرقِ لتَجَنُّبِ القتالِ وسفكِ الدماءِ، وإنّ المتأملَ في كتاب اللهِ تعالى يجدُ ما يُؤَيِّدُ هذا المعنى جيِّدًا، فالإذنُ بالقتال لم يأتِ إلاَّ بعد أنْ بُدِئَ المسلمون بالحرب، وحينئذٍ لا بُدَّ من الدفاع عن النفس والدينٍ، قال تعالى:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ)[الحج: ٣٩- ٤٠]. فَالعِلَّةُ من القتال واضحةٌ في الآية، وهي أنّ المسلمين ظُلِموا وأُخرِجوا من ديارِهم بغيرِ حقٍّ.
وقال تعالى :(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ) [البقرة: ١٩٠]، فلما جاء الأمرُ بالقتال جعل الإسلامُ للحرب فلسفةً ومبادئَ وقواعدَ عمليةً عدّةً يجبُ اتّباعهَا لتُخفّفَ من أهوالِها، وجعل التعدّي على هذه المبادئِ وإهمالِها إثمًا عظيماً
* هذه المبادئُ (منها ما يكونُ قبل الحربِ) ، (ومنها ما يكون أثناءَ الحربِ) (ومنها ما يكون بعد الحربِ).
** فأمّا التي قبل الحربِ فتتمثّلُ من خلال دعوة الكفّارِ لدخول الإسلامِ أو دفعِ الجزيةِ، فإذا دخلوا الإسلامَ فإنّ أموالَهم ودماؤَهم قد عُصمت فلا حاجةَ للحرب حينها، فإذا لم يقبلوا الدخولَ في الإسلام ورضوا بأن يدفعوا الجزيةَ فلا بدّ من تركِ قتالِهم ومحاربتِهم؛ فإمّا الإسلامُ أو الجزيةُ، حيث قال اللهُ تعالى: (حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة:٢٩]، كما دلّت الكثيرُ من الأحاديثِ النبويةِ أنّ قبولَ دفع الجزيةِ يُنهي القتالَ.
** أمّا مبادئُ الحربِ خلال القتالِ وأثناء التحامِ الصفوفِ فهي كثيرةٌ وتدلُّ على إنسانيةِ الإسلامِ ورحمتِه ،فقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن حرق الكفارِ والأعداءِ بالنار؛ لأنّ النارَ لا يُعذِّبُ بها إلّا الله سبحانه، ونهي عن قتلِ النساءِ والأطفالِ والشيوخِ والعُبّادِ الذين هم في صوامعِهم، ونهى عن قطعِ الأشجارِ وذبحِ المواشي وتخريبِ البيئةِ، فاللهُ عزّ وجلّ يأمرُ بعدم الإفسادِ في الأرض وهذا منطبقٌ على كلّ الظروفِ والأحوالِ بما في ذلك ساحات المعارك.ِ
** ومن مبادئِ الحربِ بعد انتهاء المعركةِ الابتعادُ عن التمثيلِ بقتلى الأعداءِ من خلال تقطيعِ أنوفِهم أو آذانِهم وما شابهَ ذلك، كما أنّ الإسلامَ أمرَ بدفن قتلى الأعداءِ بعد انتهاءِ المعركةِ فهو دينٌ يُكرمُ الإنسانَ ويُعطيه حقوقَه أيًّا كان دينُه، وكذلك الأمرُ بالنسبةِ للأسرى فمن أخلاقيات الحربِ في الإسلام الإحسانُ للأسرى وإطعامُهم وسقايتُهم الماءَ، وقد امتدح اللهُ عزّ وجلّ عبادَه الذين يطعمون الأسرى وقال فيهم:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)[الإنسان : ٨]. وحضَّ القرآنُ على المن على الأسير بحريتِه، وجعل المنَّ سابقاً للفداء، فقال تعالى:(فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحرب أَوْزَارَهَا)[محمد ٤]، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحسنُ معاملَة الأسرى ويترفقُ بهم، ويطلقُ من ينادى فى المسلمين: (استوصوا بالأسارى خيراً)ومن الأحاديثِ التي جمعتْ مبادئَ الحربِ في الإسلام ولخصتْها بأجزلِ الألفاظِ وأرقى المفاهيمِ، ما أخرجَه مسلمٌ في صحيحه: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا علَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى اللهِ، وَمَن معهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قالَ: اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ باللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إلى ثَلَاثِ خِصَالٍ، أَوْ خِلَالٍ، فأيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهمْ، وَكُفَّ عنْهمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، فإنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ منهمْ، وَكُفَّ عنْهمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِن دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذلكَ فَلَهُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعليهم ما علَى المُهَاجِرِينَ، فإنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا منها، فَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي عليهم حُكْمُ اللهِ الذي يَجْرِي علَى المُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكونُ لهمْ في الغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شيءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مع المُسْلِمِين
فإنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فإنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ منهمْ، وَكُفَّ عنْهمْ، فإنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ). فهذه العباراتُ القليلةُ جمعتْ مبادئَ وأخلاقاً ساميةً تدلُّ على سماحة الإسلامِ وحبِّه للعدل والسلامِ.
** ولقد طبّق الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم مبادئَ الحربِ في الإسلام أروعَ تطبيقٍ، وتحلّوا بأخلاق محاربي الإسلامِ، وقد كان الخلفاءُ الراشدون يأمرون قوّادَ الجيشِ بما أمر به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من عدم قتلِ النساءِ والأطفالِ والشيوخِ والعبّادِ، والامتناعِ عن قطعِ الأشجارِ وذبحِ الحيوانات بدون سببٍ، فهذا أبو بكر الصدّيقُ خطبَ في جيش أسامةَ بن زيدٍ قبل إرسالِه للحرب، مناديا بهذه المبادئ.
كما ورد في وصيتِه رضى الله عنه ليزيد بن أبى سفيان الموجهُ إلى الروم بالشام: «.. إنى موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأةً، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعنَّ شجراً مثمراً، ولا نخلاً، ولا تحرقها، ولا تخربنَّ عامراً، ولا تعقرنَّ شاةً ولا بقرةً إلاَّ لمأكله، ولا تجبن، ولا تغلل (لا تنهب) وسوف تمر بأقوام قد فرغوا أنفسَهم في الصوامع؛ فدعهُم وما فرغوا أنفسَهم له، إلي آخر ما وصاه.
* كما أنّ التاريخَ الإسلاميَّ حافلٌ بنماذج من التزام الصحابةِ بمبادئ الحربِ وأخلاقِها.
** فهذا خالدُ بن الوليد رضي الله عنه، يطبقُ مبادئِ الحربِ، من خلال دعوتِه لجرجة وهو أحدُ قوّادِ جيوشِ الرومِ إلى الإسلام وإخباره له بأنّ مَن يدخلُه قد يكون له أجرُ السابقين وأكثر، فاقتنع جرجةُ ودخل في الإسلام وقاتلَ تحت راية الإسلامِ في معركة اليرموك، عرض خالدٌ الإسلامَ على أهل الحيرةِ عندما خرج إليه سادتُهم وكبراؤُهم.
** وهذا عمرُ بن الخطاب رضى الله عنه.. يوجه قادةَ الجيشِ بقولِه لهم (لا تُسكن كنائسَهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحدٌ منهم).. وقد أعطى الأمانَ لأهل القدس ومنح لهم حريتَهم الدينيةَ والسلامةَ لكنائسِهم.
** وهذا أميرُ المؤمنين عمرُ بن عبد العزيز يضربُ أروعَ المثلِ في عدم المساسِ بأماكن العبادةِ من خلال موقفهِ من(كنيسة يوحنا) في دمشق حينما هدم الوليدُ بن عبد الملك جزءاً كبيراً من الكنيسة ليُقيمَ عليها المسجدَ الأمويَّ المُشيّدَ، فلما ولّيَ عمرُ بن عبد العزيز الخلافةَ شكا إليه نصارىُّ دمشقٍ ما حدث لكنيستهم، فأصدر أمرَه بهدم هذا الجزءِ من المسجد وإعادةِ الأرضِ التي أقيم عليها إلى الكنيسة.ُ
# أحبتي في الله :- لم يعرفْ الناسُ قبل الإسلامٍ ضوابطَ لإدارةِ وإنسانيةِ الحربِ، ولا التفتَ أحدٌ لترويضِ وحشيتها والتخفيف من ويلاتها، فجاء رسولُ الإسلامِ عليه السلام يقول لأصحابِه رغمَ حزنِه الشديدِ على مقتل عمِّه وحبيبهِ حمزة والتمثيل به: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقورِ»، ويرفض التمثيلَ بسهيلِ بن عمروٍ رغم إساءتِه الشديدةِ إليه وإلى الإسلام، ويقول: «لا أمثلُ به فيمثل اللهُ بى ولو كنت نبياً»؛ ويوصى أصحابَه رضوانُ اللهِ عليهم بالالتزام بمبادئ الحربِ التي تحثُّ علي الاخلاق والرحمة.. ِ
** أحبتي في الله :- هذا هو إسلامُنا وهذه هي أخلاقُه ومبادئُه وفلسفتُه في الحرب فما بالكَ في السلمِ. ومن هنا أردتُ أنْ أوجهَ في ختام حديثِي رسالةً لهؤلاء الذين ضل سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا هؤلاء الإرهابيين الذين قاموا بقتل الأبرياءِ من الناس بل ما احترموا قدسيةَ أماكن العبادةِ فما سلمَ منهم مسجدٌ ولا كنيسةٌ قتلوا المصلين العزّل.
أقولُ لهم ماذا ستجنون من وراءِ ذلك وماذا ستقولون لربكم غدا انتبهوا قبل فواتِ الأوانِ قبل أن تقولُ نفسٌ يا حسرتي علي ما فرضتُ في جنبِ الله.ِ
ولكن وقتُها لن تنفعَكم الحسرةُ ولا الندمُ، اجلسوا مع أنفسكم وفكروا بعقولكم لا بعقول غيرِكم لا تسمحوا لأحدٍ أنْ يسيطرَ علي عقولِكم ويقومَ بإلغائِها افهموا دينَكم حافظوا علي أوطانِكم لتعيشوا آمنين سالمين في دنياكم وآخرتكم..
**
أسأل اللهَ تعالى أنْ يرينا الحقَّ حقا ويرزقنا اتباعَه وأنْ يرينا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابَه وأنْ يحفظَ أوطانَنا من كل سوء..
**
كتبه :الشيخ / كمال السيد محمود محمد المهدي..
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية