صاحب قصيدة البردة
صاحب قصيدة البردة، يقول الدكتور زكي مبارك: « الأستاذ الأعظم لجماهير المسلمين، ولقصيدته أثر في تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلّقى الناس طوائف من الألفاظ والتعابير غنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا من السيرة النبوية، وعن البردة تلّقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والخلال. وليس من القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول». وعلى الرغم من أن بردة البوصيري لها هذا التبجيل والمكانة الأدبية، إلا أن علماء السلفية عابوا على القصيدة ما يرون أنه غلو في مدح النبي محمد.
قصيدة البردة أو قصيدة البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد (صل الله عليه وسلم)، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي بين العامة والخاصة. وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية، يقرأها بعض المسلمون في معظم بلاد الإسلام كل ليلة جمعة. وأقاموا لها مجالس عرفت بـ مجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي.
سبب نظم هذه القصيدة
يقول البوصيري عن سبب نظمه لهذه القصيدة: كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج (الشلل النصفي) فأبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وقررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدتُ فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا. وقد كتب البوصيري ميمية البردة من 167 بيتا.
البوصيري صاحب قصيدة البردة تُعتبر قصيدة البردة أشهر قصائد شرف الدين البوصيري، وهو محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شرف الدين، ويُكنّى بأبي عبد الله، ويُنسب إلى بوصير، وهي من أعمال بني سويف في مصر، وتعود أصوله إلى المغرب، ويُذكر أنَّ مسقط رأسه كان في منطقة بهشيم البهنساوية، وقد توفي في مدينة الإسكندرية، وتميّز البوصيري بشعره الحسن، ومعانيه القوية المليحة.
قصيدة البردة
تُعتبر قصيدة البردة من الأشعار التي نظمها البوصيريّ في مدح النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتقع هذه القصيدة في نحو مئة وستّين بيت شعريّ، ويُذكر أنَّه نظمها عندما أُصيب بمرض الفالج، وتبدأ القصيدة بالأبيات الشعرية الآتية:
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ
مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ
أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمةٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا
ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلم ِ
تسمية قصيدة البردة
يُذكر في سبب تسمية قصيدة البردة بهذا الاسم أنَّ البوصيري ألقاها في المنام أمام النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، فألقى عليه النبي صلّى الله عليه وسلم بردته، ويُعتقد أنَّ البوصيري كان مريضاً ومُصاباً بالفالج، وتعافى بعدما ألقى عليه الرسول البردة، ولذلك جاءت تسمية هذه القصيدة بالبُرْءَة، ويجدر بالذكر أنَّ القصيدة تعرّضت لنقد الكثير، حيث نقد أهل العلم أبيات محددة منها، ومن أبيات القصيدة التي نقدوها ما يأتي:
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلا فقل يا زلَّةَ القدمِ
يا أكرمَ الخلق مالي من ألوذُ به
سواكَ عند حلولِ الحادثِ العمَِمِ
فإنَّ من جودك الدنيا وضرَّتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
من أعمال البوصيري
عمل البوصيري في العديد من الوظائف، وكان منها الكتابة والجبايات، ولكنّ الأخلاق السيئة للموظفين آلمته أشدّ الألم، وقد ذكر ذلك في أشعاره، ويُذكر أنَّ العديد من الأشخاص تتلمذوا على يديه، ومنهم: أبي الفتح اليعمري الإشبيلي، وعز الدين الكناني الحموي، وأبي حيان الأندلسي، كما نظم البوصيري العديد من الأشعار، حيث مثلّت هذه الأشعار حياته الخاصة وحياة المجتمع المصريّ في فترة القرن السابع الهجري، وتعدّدت موضوعاته الشعرية؛ إذ يوجد له أشعار الصوفيّ المتقشف، وأشعار المداعب المتظرف، هذا بالإضافة إلى قصائد في الشكوى والتذمّر من الموظفين، وامتازت أشعاره بطول النفس، والتفصيل، والاستقصاء في المعاني.