لماذا لم تنجح قمة بايدن الديمقراطية؟
انتهت منذ ساعات القمة التي دعا إليها الرئيس الأميركي تحت مسمى "قمة بايدن الديمقراطية" دون تحقيق لما كانت تصبو إليه من زخم إعلامي.
وفي قراءة سريعة لنتائج القمة أقول بداية إنه ومن خلال وجهة النظر الأميركية أريد لهذه القمة أن تعكس إيمان الرئيس بايدن بضرورة أن تتوحّد الديمقراطيات وتقف وتعمل معا لمواجهة التحديات الدولية الأكثر إلحاحا، لا سيما مع صعود ما توصف بـ"قوى معسكر الاستبداد بزعامة الصين وروسيا".
إلا أن هذه القمة، والتي وعدت إدارة بايدن بتكرارها سنويا، فتحت الباب على مصراعيه لانتقادات واسعة من داخل وخارج الولايات المتحدة، واللافت للانتباه أن منطقة الشرق الأوسط ممثلة في القمة بدولتين هما العراق وهي مصنفة دولة غير ديمقراطية حسب تصنيف "فريدم هاوس" وإسرائيل التي ما تزال حسب القانون الدولي تحتل بعض الأراضي الفلسطينية.
عندما تم هذا الإعلان رأت فيه بعض الدول نوعا من التعالي عليها ووصفت قمّة بايدن هذه بأنها محاولة أميركية لـ"خصخصة" الديمقراطية، بل إن بعض الدول سألت متهكمة هل "من حق المراقبين في قارات العالم المختلفة التساؤل ما إذا كان للأمر صلة بالحرب على (هواوي) أو (نورد ستريم)؟ وهل من حق المراقبين أن يروا في القمة طريقاً التفافياً حول (مبادرة الطريق والحزام)، وصعود روسيا على المسرح الدولي؟
وبالتالي وبقراءة بسيطة فهم الجميع أن المعيار هو مضي الدول المعنية بالبرنامج الأميركي السياسي الاقتصادي.
كما رأينا جميعا فقد تسبب إخفاق القمة في التوصل إلى نتائج ملموسة، كما حدث في مؤتمرات قبلها، في تعزيز التصور بأن الديمقراطية ذاتها لم تعد صالحة للأهداف التي وضعت من أجلها، كما أنه وللأسف فقد أصبح البعض يرى أن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بقيادة هذا الجهد في الوقت الراهن، فقد تراجع تصنيفها مؤخرا لتصبح ضمن البلدان التي يوجد بها "خلل في الديمقراطية" في تصنيف أجرته مجلة "الإكونوميست"، وذلك قبل انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ولم تحدث بعد ذلك تطورات تغيّر هذا التصنيف، بل على العكس من ذلك، ما زال أحد الحزبين السياسييْن الرئيسيين في الولايات المتحدة يرفض قبول نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ويعمل جاهدا على تقويض الديمقراطية حسب ما سمعت مرات عديدة في واشنطن.
ربما كان من أسباب فشل القمة أن قائمة المشاركين فيها غير متسقة، واختيرت على نحو تعسفي فمثلا يمكن تفهم عدم دعوة المجر للمشاركة في القمة نظرا لمهاجمة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المستمرة للمبادئ الليبرالية، ولكن لماذا تشمل قائمة المشاركين جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي يأتي ترتيبها ضمن مؤشر الديمقراطية السنوي لـ"فريدوم هاوس" بعد المجر وصنفتها المنظمة ضمن الدول "غير الحرة"؟
هذا إذا استطعنا فهم مبرر دعوة زعماء دول مثل البرازيلي جايير بولسونارو والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، للمشاركة في القمة فكلاهما قد فاز في انتخابات ديمقراطية لكن ممارساتهما العلنية تخالف الأعراف الديمقراطية الأساسية.
على المستوى الشخصي فقد رأيت في القمة جهدا بسيطا جدا من جهود تنشيط العمل بالديمقراطية التي ستتوقف لا محالة، وهذا يعلل نظرة الكثيرين إلى هذه القمة على أنها عقدت بحسن نية، وأنها كانت مضللة.
لقد تعهد الرئيس بايدن بتقديم الولايات المتحدة 24 مليون دولار خلال العام المقبل لدعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم لكن ومع تلك التعهدات المحدودة وعلى الرغم من المسوغات التي تبرر عقد القمة فإن كل ذلك لن يجعل اجتماع الدول الديمقراطية لبحث سبل تقوية وتعزيز قيم الليبرالية في ظل التحديات التي تواجهها الديمقراطية في مناطق عديدة حول العالم أمرا صائبا فهناك أسئلة تفرض نفسها بشأن توقيت انعقاد القمة وهدفها الأساسي الذي لم يتضح بعد ونهاية فلم تتمخض القمة عن نتائج (ملموسة)، كأن تترتب عليها التزامات أو برامج جديدة ذات تأثير قابل للقياس تسهم في تعزيز الديمقراطية في شتى أنحاء العالم، بل أنها لم تعدو أن تكون قمة كلامية صدرت في ختامها بيانات لا تعود بفائدة ملموسة على الديمقراطية.