كانت مصر باستمرار رقماً فاعلاً فى أى معادلة ولم تكن أبداً حلقة مفعولاً بها حتى فى أكثر مراحلها ضعفاً وتدهوراً، فعندما اعتنقت مصر المسيحية وكانت تحت الاحتلال الرومانى واجهت الإمبراطورية الرومانية ونجحت فى النهاية فى تحويل روما نفسها إلى المسيحية، واعترف الإمبراطور بالمسيحية واعتبرها الديانة الرسمية للإمبراطورية، ومن مصر خرجت الرهينة إلى العالم، الرهبنة اختراع مصرى خالص، وساهمت مصر فى الفكر اللاهوتى المسيحى على نحو فاق إسهام أى شعب آخر، وعندما اختلف بابا الإسكندرية مع روما حول قضايا لاهوتية حدث الانشقاق الأكبر فى تاريخ المسيحية ما بين النهج المصرى الملتزم أو الأرثوذكسى وبين منهج روما الكاثوليكى.
الأمر نفسه ينطبق على مصر عندما تحول غالبية شعبها إلى الإسلام، فقد كانت القاهرة رقماً فاعلاً فى معادلة العالم الإسلامى، وعلى أرضها نشأ الأزهر الذى يعد مرجعية العالم السنى، وكان إسهام المصريين فى علوم الفقه والتفسير والترجمة هو الأبرز، ولا يزال الأزهر يمثل المرجعية الرئيسية للمسلمين السنة فى شتى أنحاء العالم. ونجحت مصر فى إضفاء بصمتها الخاصة على الكثير من أركان العبادة وباتت لمصر نكهة خاصة فى الاحتفالات الدينية تجعل بشراً من مختلف أنحاء العالم يفدون إليها فى هذه المناسبات.
ابعاد الهويه المصريه
مكونات الهوية المصرية المختلفة والطبيعة الخاصة للشخصية المصرية هى التى حكمت مصر والمصريين فى مراحل التقلب التى مرت بها المنطقة، وهى التى وقفت فى وجه محاولات عناصر سلفية لاستهداف بعض الأضرحة فى القرى المصرية، وهى التى دفعت السيدات المصريات على اختلاف انتماءاتهن الطبقية والاجتماعية والدينية للخروج ضد محاولات الجماعة الإرهابية لتغيير الهوية المصرية، وهى التى دفعت ملايين المصريين للخروج إلى الشوارع فى 30 يونيو للدفاع عن الهوية المصرية، والتى نجحت فى النهاية فى لفظ حكم المرشد والجماعة الخارج عن السياق العام للهوية المصرية.
وعلى الرغم من المحاولات الهائلة التى استهدفت الهوية المصرية وحاولت تغييرها عكس السياق التاريخى لها، فإن هويتنا المصرية صمدت أمام كل هذه المحاولات، ورغم ذلك لم تتوقف محاولات الاستهداف ولعل ما نشهده كل عام من فتاوى سلفية تحرم تبادل التهانى مع المسيحيين المصريين، وفتاوى أخرى تحقر من المرأة وتزدريها تعد مثالاً على ذلك، كما أن الغزوة التى قام بها مساعد رئيس حى العجوزة على المقاهى التى تعمل فى نهار رمضان تعد مثالاً أيضاً على محاولات التيار السلفى للنيل من الهوية المصرية ولكنها محاولات محكوم عليها بالفشل بفعل رفض الغالبية الساحقة من المصريين الخروج على مكونات هذه الهوية.