بايدن يضرب موعداً لحرب أوكرانيا يوم 16 فبراير.. فهل يأتي بوتين في الموعد؟
أعلنت إدارة بايدن، عبر "تسريبات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية" للصحافة كما جرت العادة، أن بوتين يخطط للهجوم على أوكرانيا يوم السادس عشر من فبراير الجاري.
من حيث المبدأ، فإن إعلان موعد الهجوم المحدد للعدو مسبقاً هو وضع يمثّل قمة العبثية. ففي الحرب الحقيقية، لا يمكنك أن تكشف للعدو معرفتك لخططه، إضافة إلى أنك لن تُؤخذ على محمل الجد، إذا لم يحدث شيء في هذا التاريخ.
ومع ذلك، فهناك سيناريوهان يمكن أن يمثّلان تفسيراً منطقياً معقولاً لمثل هذا الإعلان:
السيناريو الأول، إذا كانت روسيا لن تهاجم، فسيكون بايدن بعد هذا التاريخ قادراً على إعلان استسلام روسيا، وقد منع الهجوم بتهديداته.
السيناريو الثاني، وهو السيناريو الذي أعتقد أنه سيتم تنفيذه الآن، إذا ما كانت واشنطن نفسها تخطط لاستفزاز أوكرانيا في هذا التاريخ. وبفضل أقوى حملة دعائية نفذت مسبقاً في وسائل الإعلام الغربية، ستلقي باللوم على روسيا، وستفرض عليها أشد العقوبات الاقتصادية. وليس من قبيل الصدفة إذن أن يناقش الكونغرس الأمريكي هذه العقوبات مقدماً. وبما أنه لا يمكن إجبار أوروبا على الانضمام إلى مثل هذه العقوبات، فهناك حاجة ملحة لذريعة قوية: "العدوان الروسي" الذي حدث.
لماذا أعتقد أنه سيتم تنفيذ السيناريو الثاني وليس الأول؟
أولاً، منذ زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية إلى موسكو في نوفمبر الماضي، كتبت أن واشنطن ستوجّه إنذاراً لموسكو عشية صدامها مع الصين. وافترضت حينها أن موسكو سترفض الإنذار وستقدم إنذاراً خاصاً بها.. وهذا ما حدث بالضبط.
ثانياً، تتناسب جميع الخطوات اللاحقة للأطراف مع منطق حتمية المعركة، منذ لحظة تبادل الإنذارات، حيث كانت الاستعدادات جارية، لكن كل طرف يسعى جاهداً من أجل فرض سيناريو الحرب الخاص به.
الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لفرض القتال بالوكالة، وهدفها هو تمزيق العلاقات الاقتصادية بين أوروبا وروسيا على أقل تقدير، أو اندلاع حرب بين روسيا وأوروبا على الأكثر، بينما يجب على أوكرانيا في هذا السيناريو أن تلعب دور الضحية، ما سيمنح واشنطن ذريعة سحق أي مقاومة أوروبية.
باختصار، فإن العقوبات الاقتصادية غير المبررة هي سلاح الولايات المتحدة التقليدي ضد روسيا. يكفي أن نتذكر تعديل جاكسون – فانيك، الذي فرض في عام 1974 قيوداً على تصدير التكنولوجيا والمعدات إلى الاتحاد السوفيتي. تم فرض القيود رسمياً لأن الاتحاد السوفيتي منع اليهود من المغادرة إلى إسرائيل. وقد رفعت هذه القيود المفروضة على روسيا فقط في عام 2012، بعد حوالي 30 عاماً من رفع الاتحاد السوفيتي القيود المفروضة على خروج اليهود، وبعد 21 عاماً من انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه. ثم بإمكاننا كذلك أن نتذكر ما يسمى بـ "قانون ماغنيتسكي"، عقوبات لتوريد أسلحة مزعومة لكوريا الشمالية، وعقوبات على الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية، وللتدخل الأسطوري في الانتخابات الأمريكية، وبسبب هجمات القراصنة المنسوبة إلى روسيا. وبشكل منفصل، العقوبات ضد "السيل الشمالي-2"، بزعم "تقويض أمن الطاقة في أوروبا"، وأخيراً فرض عقوبات لمجرد حقيقة وجود روسيا على خريطة العالم: "قانون مواجهة أعداء الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العقوبات".
لكن العقوبات المعتادة الآن لم تعد كافية، فنحن لم نعد نتحدث عن "احتواء"، بل نتحدث عن تدمير للاقتصاد، وإثارة أعمال شغب اجتماعية في أقصر وقت ممكن. بشكل عام، فإن هذه العقوبات بمثابة إعلان حرب على روسيا. وإذا ابتسم الحظ للولايات المتحدة الأمريكية، وردّ فلاديمير بوتين على الاستفزازات الأوكرانية، فمن المحتمل أن تكون هناك حرب مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، مع تدخل لاحق من جانب أوروبا.
لماذا أعتقد أن الحرب يمكن أن تحدث في المواعيد التي تحددها واشنطن؟ لأن كثافة الجهود الدبلوماسية لألمانيا وفرنسا تشير إلى أنهما يعتبران الخطر الذي يتعرض له اقتصادهما من المغامرة الأمريكية أمراً ملحاً وحقيقياً، ويحاولان منع وقوع هذا السيناريو بشتى الطرق. لكن، وفي الوقت نفسه، فإن فظاظة "جنود المشاة الأمريكيين" وبريطانيا وأوكرانيا تتجاوز كل الحدود الممكنة.
فزيارة وزيري الخارجية والدفاع البريطانيين إلى موسكو لم تكن من أجل المفاوضات، وإنما بغرض توجيه الإنذارات، والتظاهر بأنهم قد فعلوا كل ما بأيديهم لمنع "العدوان الروسي". وكأنما لسان الحال يقول: إذا ما حدث شيء، فقد حدث على الرغم من جهود حفظ السلام التي يقوم بها الغرب. بل إن وزيرة الخارجية البريطانية حتى لم تستعد للمفاوضات، ولم تكلّف نفسها عناء قراءة ما ستناقشه مع الروس، الأمر الذي انتهى بحادث طريف: فأثناء مناقشة وجود القوات الروسية في منطقتي فورونيج وروستوف الروسيتين المتاخمتين لأوكرانيا، سأل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نظيرته البريطانية، إليزابيث تراس: هل تعترفون بالسيادة الروسية على هذه المناطق؟ فردت الوزيرة بعد قليل من التفكير: لن نعترف أبداً بالسيادة الروسية على هذه المناطق. بعد ذلك، كان على السفيرة البريطانية أن توضح لها علانية أن تلك المناطق أراضٍ روسية بالأساس.
وخلال الجولة الأخيرة من الاجتماع لرباعية نورماندي، قامت أوكرانيا بتخريب المفاوضات بتحدٍ سافر، بدعم من ممثلي فرنسا وألمانيا. ووصل الأمر إلى حد أنه كان على الممثل الروسي، دميتري كوزاك، أن يلجأ لقاموس كامبردج، كي يشرح لممثلي أوكرانيا وفرنسا وألمانيا أن كلمة "مشاورات" و"مناقشة" كييف مع ممثلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، الواردة في الاتفاقيات، تعني الحاجة إلى اتصالات بينها وبين ممثلي هذه الجمهوريات.
لقد قامت أوكرانيا بتخريب البنود 9 و11 و12 من اتفاقيات مينسك عن عمد ومع سبق الإصرار والترصّد، متوجهة بذلك نحو حل القضية بالوسائل العسكرية.
وبالتالي، فليس هناك شك تقريباً في أن أوكرانيا ستنفذ في المستقبل القريب استفزازاً واسع النطاق في إقليم الدونباس، يليه هجوم على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
وحينها سيقف فلاديمير بوتين أمام خيارين كلاهما مر: فإما الدفاع عن الدونباس، ومواجهة أشد العقوبات وربما صراع عسكري مع أوروبا، أو الموافقة على الإبادة الجماعية للسكان الروس في المنطقة، ما يليه أصعب المشكلات السياسية الداخلية في روسيا.
أعتقد أن اختيار بوتين واضح بالفعل، وكذلك الأمر بالنسبة لواشنطن. لكن التطورات، بعد اندلاع الأعمال العدائية، قد تحمل مفاجأة لم تكن في الحسبان للولايات المتحدة الأمريكية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف