متى أصبحت الحرب الروسية الأمريكية حتمية؟
لا يوجد سوى دولة واحدة فقط في العالم لم تكن أبداً مستعمرة لإحدى دول أوروبا الغربية: روسيا. في الوقت نفسه، اكتسبت روسيا، عبر قرون من وجودها، سمعة مقبرة الديكتاتوريين والإمبراطوريات التي سعت لإخضاع العالم بأسره.
بل إنني أذهب إلى القول بأن هذا تحديداً هو الدور الفريد لروسيا على كوكب الأرض.
تخلط أغلبية العرب، بالخطأ، ما بين المسيحيين والصليبيين، ولا يعرف كثيرون منهم أنه بالإضافة للحملات الصليبية على الشرق الأوسط، كانت هناك أيضاً حملات صليبية من أوروبا الغربية ضد المسيحيين الأرثوذكس في روسيا. وعلى وجه الخصوص، تمكن البطل القومي الروسي، الأمير ألكسندر نيفسكي، من هزيمة الصليبيين الألمان، عام 1242، على الحدود الروسية الإستونية الحالية، وأوقف الحملات الصليبية ضد الروس لفترة طويلة.
كذلك لقي كل من نابليون وهتلر نهايتهما في روسيا، بعد الغزو السريع للجزء الأكثر تقدماً في العالم آنذاك: أوروبا.
أما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد لعبت روسيا (الاتحاد السوفيتي) دوراً بارزاً في تشييع جنازتي الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، ودعمت شعوباً كثيرة في نيل الاستقلال، بمن فيهم العرب.
وعلى الرغم من صعوبة المهمة وضخامة الخسائر، يبدو أن على روسيا من جديد أن تتحمل العبء الأكبر في جنازة الإمبراطورية الأمريكية.
على الأرجح، تلك هي حتمية العملية التاريخية أو المصير. بغض النظر عما نريد أو لا نريد، ولكن إذا ما كنت روسياً، فعاجلاً أم آجلاً، سيتعيّن عليك حمل السلاح، والذهاب لدفن ديكتاتور أو إمبراطورية عالمية أخرى..
وما يحدث الآن في أوكرانيا هو فعلياً حرب، لكنها في الوقت الراهن لا زالت حرباً إعلامية فقط.
تتصارع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية الآن حول كيفية رؤية العالم للصراع بينهما. فقد وجهت روسيا إنذاراً للولايات المتحدة، كي تبتعد عن الحدود الروسية، وعن أوروبا الشرقية بشكل عام. ولم يأت ذكر أوكرانيا في الإنذار الروسي إلا لماماً، فلم تكن أوكرانيا فيه محط الاهتمام الأساسي.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب بشكل عام، وبفضل هيمنته على وسائل الإعلام الخاصة به في العالم، يحاول أن يفرض على العالم تصوّراً لما يحدث على أنه عدوان روسي على أوكرانيا. لم يحدث شيء، لم تفعل روسيا أي شيء على الإطلاق فيما يتعلق بأوكرانيا، لكن الهستيريا في الصحافة الغربية كانت فعلياً مساوية لأزمة "رشا غيت"، والتي كان مصدرها، كما علمنا لاحقاً، تقريرا مدفوع الأجر، من قبل هيلاري كلينتون، ومبنيا على معلومات كاذبة، لضابط المخابرات البريطاني السابق، كريستوفر ستيل.
بطريقة أو بأخرى، وبينما حققت الدعاية الغربية بعض النجاح، فإن جزءاً مهماً من الصحافة العالمية، بما في ذلك الصحافة العربية، يكرر الافتراءات الأمريكية حول "خطط بوتين لمهاجمة أوكرانيا". علاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، كما أعتقد، تخطط لاستفزازات على يد أوكرانيا في الأيام المقبلة، من أجل إلقاء اللوم على روسيا.
ومع ذلك، ليس بيدنا شيء حيال عجلة التاريخ. وإذا كانت عجلة الزمن قد أعلنت وقت رحيل الإمبراطورية الأمريكية إلى المقبرة، فقد حان الوقت. أعتقد أن فلاديمير بوتين سيحاول إعادة المحادثات إلى النقطة التي أطلق بسببها الإنذار النهائي، ألا وهي أن الوقت قد حان لخروج الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا، ثم من الشرق الأوسط، ومن كل مكان.
لذلك آمل أن تلتزم روسيا بضبط النفس في الرد على الاستفزازات الأوكرانية. فهدف بوتين ليس أوكرانيا، وإنما الولايات المتحدة الأمريكية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف