عصب الحياة.. والدول العربية!
في فنادق فيينا الساحرة، كفندق أمبيريال أو البريستول، ما أن تفتح صنبور المياه حتى تتساقط قطرات المياه النقية في راحتيك، رقراقة "مُموَسقة"، على أنغام شتراوس وموزارت أو باخ!
في عالمنا العربي الوضع المائي ليس برومانسية وبانسيابية الترف والدفق الأوروبي، فالوضع أشد قتامة، وينذر بكارثة لأزمة مائية حقيقية وشيكة!
كشف تقرير مصوّر بثته قناة العربية قبل فترة، بأن ما يُقارب 35 مليون مواطن في إحدى الدول العربية يستخدمون مياهاً غير صالحة للشرب، أو للاستخدام!، حقيقة لم أستغرب الرقم المُعلن ولربما كان أكثر، إذ يقابله الكثير من الإحصاءات المخيفة غير المُعلنة في عالمنا العربي والإسلامي، وتحديداً في بلدان استمدت حضارتها الإنسانية من أنهارها العظيمة!
تردّي أوضاع الشعوب العربية، وظهور مشكلة شح المياه في السنوات الأخيرة لم يكن من قبيل المصادفة، هي نتاج لتراكمات سنوات طويلة من سوء التخطيط في إدارة واستغلال مواردها المائية، عززّه غياب الاستراتيجيات المُحكمة لمواجهة النمو الديموغرافي للسكان، والتنامي المطرد للمشاريع التنموية فيها، وزيادة الطلب على المياه، وعدا الحروب وما خلفته من دمار وتلويث لمصادر المياه المختلفة، وعرقلة لمشاريع الصرف الصحي وتطوير بنيتها التحتية في ظل متغيرات مناخية وبيئية غير مسبوقة آخذة بالتفاقم بلا معالجة!
الماء عصب الحياة، وأهميته تتعدى استخداماته الإنسانية، لكونه عنصراً رئيسياً لمشاريع الفلاحة وتوليد الطاقة والتصنيع، وغيرها من الاستخدامات، وبزيادة الطلب المُطرد عليه برزت على الساحة صراعات جديدة قائمة، ما بين دول المنبع والمصب، ونشبت خلافات حادة لاشتراك بعضها في مصادر المياه، علماً بأن غالبية تلك المصادر تقع خارج سيطرة الدول العربية، مما صعّد من حالة التوتر "المنقطع المستمر" بمطالبة تلك الدول في تحديد حصصها من المياه، وقد لا تخلو أحياناً من ابتزاز للأطراف "المضغوطة مائياً"، بتخصيص حصص غير عادلة لا تلبي احتياجاتها!
أما في بلاد النهرين، عاصمة الرشيد، فالحال ليست بأفضل من المحروسة أم الدنيا، فالمشهد مضحك ومبكٍ في آن، مختصراً سوداويته للرائي في بيت القصيد القائل:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمولُ!
بقي أن نُذكر جمهور المستهلكين الكرام في عموم إماراتنا الحبيبة، بإحصائية موثقة تفيد بأن الإمارات تحتل المرتبة الثالثة في استهلاك المياه، ما يفيد بأن هناك استغلالاً "غير مسؤول" لهذه النعمة الحيوية من قِبل أفراد المجتمع، لنذكرهم بالمثل الشعبي المحلي الشهير القائل:" لا تسرف ولو كنت من البحر تغرف"!