وقت اخراج زكاة الفطر الشيخ فركوس
وقت اخراج زكاة الفطر الشيخ فركوس، مقدار زكاة الفطر، مقادير زكاة الفطر الشيخ فركوس، جدول زكاة الفطر فركوس، النيابة في زكاة الفطر، رأي العلماء في إخراج زكاة الفطر نقدا.
أُضيفَتِ الزكاةُ إلى الفطر وسُمِّيَتْ به؛ لأنَّ الفطر هو سببُ وجوبها مِنْ بابِ إضافةِ الشيءِ إلى سببه، مع اختلافِ أهل العلم في سبب الوجوب: أهو الفطرُ المعتادُ أَمِ الفطرُ الطارئُ؟ ـ كما سيأتي بيانُه ـ كما أنه يُرادُ بالزكاة: الصدقةُ عن البدن والنَّفْسِ، لا الصدقةُ عن المال.
وقد اخْتَلَفَ العُلَماءُ في بدايةِ وقتِ وجوبِ زكاة الفطر، وفي وقتِ أدائها، وفي التعجيل بها قبل وجودِ سببها، وهذه المَسائلُ الثلاثُ نَتناوَلُها في الفروع التالية:
الفرع الأوَّل: في بدايةِ وقتِ وجوب زكاة الفطر:
اختلفَتْ أنظارُ العُلَماءِ في بدايةِ وقتِ وجوبِ زكاة الفطر على مذهبَيْن مشهورين:
• أنَّ بداية وقت الوجوب هو طلوعُ فجر يوم العيد، وبه قال الحنفيةُ والمالكيةُ في قولٍ ورواية عن الشافعيِّ في القديم.
• أنَّ بداية وقت الوجوب هو غروبُ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان، وبه قال الجمهورُ مِنَ الحنابلة والمالكية على القول الآخَر، وهو المشهورُ عند الشافعية(٣٠).
وسببُ الخلاف: يرجع إلى سبب الوجوب وهو الفطرُ؛ فمَنْ جَعَلَه الفِطْرَ المعتادَ في سائِرِ الشهرِ فيكونُ الوجوبُ بغروب الشمس وهو وقتُ الفطر مِنْ رمضان، ومَنْ جَعَلَه الفِطْرَ الطارئَ بعده قال بأنَّ طلوعَ فجرِ يوم العيد هو سببُ الوجوب، أو بعبارةٍ أخرى: هل زكاةُ الفطرِ عبادةٌ مُتعلِّقةٌ بيوم العيد أم بخروجِ شهر رمضان؟(٣١)
والظاهر أنَّ المذهبَ الأوَّلَ وهو الاعتدادُ بطلوع الفجر قويٌّ مُتَّجِهٌ، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «ويُقوِّيهِ قولُه في حديث الباب [حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما]: «وأَمَرَ بها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى الصلاة»(٣٢)»(٣٣)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ»(٣٤)؛ فأضافَ الفطرَ على الإطلاق إلى اليوم، أي: الفطر بالنهار يومَ تُفْطِرون، ولأنَّ الزكاة أُضيفَتْ إلى الفطر إضافةَ وجوبٍ، والإضافةُ دليلُ الاختصاص، والسببُ أَخَصُّ بحُكْمِه مِنْ غيره، ولأنَّ الليلَ ليس مَحَلًّا للصوم، وإنما يَتبيَّنُ الفطرُ الحقيقيُّ بالأكل بعد طلوعِ فجرِ يومِ الفطر.
وفائدةُ الخلافِ في هذه المسألة: تظهر فيمَنْ ماتَ أو وُلِدَ أو أَسْلَمَ بعد غروبِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان:
• فعلى مذهب الحنفية والمالكية على قولٍ، ورواية عن الشافعيِّ: أنَّ مَنْ ماتَ بعد غروب الشمس لا تجب عليه الزكاةُ؛ لأنه ـ وقتَ وجوبها ـ لم يكن موجودًا، أمَّا مَنْ وُلِدَ بعد غروب الشمس أو أَسْلَمَ أو بَنَى على زوجته أو أَيْسَرَ ماليًّا أو مَلَكَ عبدًا فتجب عليه الزكاةُ؛ لأنه كان مِنْ أهلها وقتَ وجوبها.
• أمَّا مَنْ مات بعد غروبِ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان ـ عند الجمهور ـ فتجب ـ في حقِّه ـ زكاةُ الفطر؛ لأنَّ وقتَ وجوبها في بداية الغروب، أمَّا مَنْ وُلِدَ بعد الغروب فلا تَلْزَمُه زكاةٌ لأنه كان جنينًا(٣٥) وقتَ وجوبها، وكذلك مَنْ أَسْلَمَ بعد الغروب أو بَنَى على زوجته أو مَلَكَ عبدًا أو أَيْسَرَ ماليًّا فلا تَلْزَمُه زكاةٌ؛ لأنه لم يكن مِنْ أهلها وقتَ وجوبها(٣٦).
الفرع الثاني: في وقت وجوب أداء زكاة الفطر:
يذهب الجمهورُ مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة وبعضِ الحنفية إلى أنَّ وقتَ وجوبِ أداءِ زكاة الفطر مُتعيِّنٌ بيوم العيد كالأضحية؛ فيَحْرُمُ تأخيرُها عن ذلك اليومِ بدونِ عذرٍ، فإِنْ أخَّرَها وَجَبَ إخراجُه لها قضاءً لا أداءً، والمُسْتحَبُّ فيها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى المصلَّى(٣٧).
وخالَفَ الحنفيةُ في ذلك فرأَوْا أنَّ وقتَ وجوبِ أدائها وقتٌ مُطْلَقٌ عن تعيينٍ؛ فيجوز له أَنْ يُؤدِّيَها في يوم العيد أو في يومٍ غيرِه، ولا يَترتَّبُ عليه إثمٌ في تأخيرِها عن يوم العيد، والمُسْتحَبُّ في إخراجِ زكاةِ الفطر ـ عندهم ـ هو أداؤُها يومَ العيد(٣٨).
هذا، وذَهَبَ أهلُ التحقيق مِنْ أهل العلم إلى وجوبِ إخراجِ زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويَحْرُمُ تأخيرُها إلى ما بعد وقتها بدونِ عذرٍ شرعيٍّ، فإِنْ أخَّرَها بعد الصلاةِ فلا تكون زكاةً، وإنما هي صدقةٌ مِنَ الصدقات، وهذا القولُ الأخيرُ هو الراجح، ويدلُّ عليه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»(٣٩)، وحديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»(٤٠). وانطلاقًا مِنْ دلالة هذين الحديثين بيَّن ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ هَدْيَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إخراجِ هذه الصدقةِ بقوله: «ومقتضى هذين الحديثَيْن أنه لا يجوز تأخيرُها عن صلاة العيد، وأنها تَفُوتُ بالفراغ مِنَ الصلاة، وهذا هو الصوابُ؛ فإنه لا مُعارِضَ لهذين الحديثين ولا ناسِخَ، ولا إجماعَ يدفع القولَ بهما، وكان شيخُنا [أي: ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ] يُقوِّي ذلك وينصره. ونظيرُه ترتيبُ الأضحيةِ على صلاة الإمامِ لا على وقتِها، وأنَّ مَنْ ذَبَحَ قبل صلاة الإمام لم تكن ذبيحتُه أضحيةً بل شاةَ لحمٍ، وهذا ـ أيضًا ـ هو الصوابُ في المسألة الأخرى، وهذا هَدْيُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الموضعين»(٤١)، ولأنَّ أداءها في ذلك الوقتِ أَوْلى في تحقيقِ الحكمة مِنْ مشروعيةِ زكاةِ الفطر مِنَ: الرِّفق بالفقير وإغنائه عن السؤال في يوم العيد وإدخالِ السرور عليه في يومٍ يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم.
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنَّ زكاة الفطر لا تسقط بفواتِ وقتِها على الصحيح(٤٢)؛ لأنها حقُّ العبدِ، تَعَلَّقَ بذِمَّةِ مَنْ وجبَتْ عليه لمُسْتَحِقِّه؛ فهي دَيْنٌ لهم لا يسقط إلَّا بالوفاء به، أمَّا حَقُّ اللهِ في تحريمِ التأخير عن وقتِ أدائها فلا يُكفِّرُه إلَّا الندمُ والاستغفارُ والعملُ الصالح.
الفرع الثالث: في حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقت وجوبها:
يرى الأحنافُ ـ في المشهور ـ جوازَ تعجيلِ زكاة الفطر قبل وجودِ سببها وهو الفطرُ مِنْ رمضان السَّنَةَ والسنتين؛ لأنها زكاةٌ فأَشْبَهَتْ زكاةَ المالِ التي وَرَدَ فيها حديثُ أبي داود وغيرِه عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ؛ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، قَالَ مَرَّةً: «فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ»(٤٣)، وفي روايةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»(٤٤)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر رضي الله عنه: «إِنَّا كُنَّا قَدْ تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ لِعَامِنَا هَذَا عَامَ أَوَّلَ»(٤٥).
وذهَبَتِ الشافعيةُ إلى جوازِ إخراجها مِنْ أوَّلِ شهرِ رمضان، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ مُعلِّلًا هذا الرأيَ بما نصُّه: «لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطرِ منه، فإذا وُجِدَ أحَدُهما جازَ تقديمُها على الآخَرِ كزكاة المال بعد مِلْكِ النِّصاب وقبل الحول، ولا يجوز تقديمُها على رمضان لأنه تقديمٌ على السببين؛ فهو كإخراجِ زكاةِ المال قبل الحول والنِّصاب»(٤٦).
وذهبَتِ المالكيةُ والحنابلةُ إلى جوازِ تقديمِها على سببِ وجوبها بيومٍ أو يومين، وفي المسألةِ أقوالٌ أخرى
والصحيحُ: جوازُ تقديمِها للمُوكَّلِ بتوزيعها قبل الفطر بيومٍ أو يومين، ويدلُّ عليه: حديثُ نافعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»، وحديثُ نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ ـ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ـ .. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وليس المرادُ مِنْ قوله: «الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا» الفُقَراءَ، وإنما هُمُ الجُبَاةُ الذين يُنصِّبُهم الإمامُ لجَمْعِ صدقةِ الفطر، بدليلِ ما رواهُ مالكٌ عن نافعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ»)، قال في «إرواء الغليل»: «ويُؤيِّدُ ذلك ما وَقَعَ في روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ مِنْ طريق عبد الوارث عن أيُّوب: قلتُ: «متى كان ابنُ عمر يُعطي؟» قال: «إذا قَعَدَ العاملُ»، قلت: «متى يقعد العاملُ؟» قال: «قبل الفطر بيومٍ أو يومين»