القانون النسبي في لبنان
القانون النسبي في لبنان، النظام الانتخابي في لبنان PDF، القانون الانتخابي في لبنان، قانون الستين الانتخابي في لبنان، الانتخابات النيابية في لبنان 2022، قانون الانتخابات النيابية في لبنان 2022.
بدأ العد العكسي للانتخابات البرلمانية في لبنان المقررة في 15 مايو/ أيار 2022، والتي تجري وفق القانون النسبي، وتتنافس فيها 103 لوائح بـ 15 دائرة.
وتجد القوى السياسية التي وضعت القانون الانتخابي عام 2017، أنه أفضل الممكن للحفاظ على خصوصية لبنان وتوازناته الطائفية والمناطقية والسياسية.
بالمقابل، ينتقده خبراء القانون، لا لأنه يفرز لبنان لوحدات طائفية صغرى فحسب، بل لأن هندسته صبّت بمصلحة النافذين والأثرياء.
ولفهم الانتخابات البرلمانية عبر قانونها النسبي وسيرة التوافق عليه، تطرح الجزيرة نت مجموعة من النقاط والأسئلة لشرح القانون وخلفياته السياسية وأهدافه الانتخابية، في حديث خاص مع كل من: وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود، وهو محامٍ ومستشار قانوني لعدد من المنظمات الدولية، وسبق أن كان شغل عضوية "الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية" بين عامي 2005 و2006، إلى جانب المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز ديمقراطية الانتخابات (LADE) علي سليم.
ما القانون الانتخابي المعتمد حاليا؟
يعتمد لبنان بقانونه الانتخابي الحالي على "نظام الاقتراع النسبي". وقسم القانون لبنان إلى 15 دائرة انتخابية (جغرافية) كبرى، وتنقسم بدورها إلى دوائر (أقضية) صغرى.
وبحسب نص القانون، خصص لكل دائرة عدد من المقاعد البرلمانية، أقلها 5 وأكثرها 13 مقعدا، لملء 128 مقعدا بالبرلمان اللبناني.
ويشير علي سليم إلى أن هذا التقسيم الجغرافي للدوائر غير مبني على قاعدة علمية مفهومة، وإنما على أساس طائفي يلحظ فقط التوزع الديمغرافي المذهبي للبنانيين على المناطق.
وتتمثل بالانتخابات الطوائف الإسلامية من سنة وشيعة وعلويين ودروز، والطوائف المسيحية من موارنة روم كاثوليك وروم أرثوذكس، وإنجيليون أرمن كاثوليك وأرمن أرثوذكس.
ويحق لكل مواطن لبناني بلغ 21 عاما وفق الدستور، أن يكون ناخبا، باستثناء شريحة من المواطنين يُمنع مشاركتهم لموجبات قانونية، كالعسكريين أو المحكومين ببعض الأحكام القضائية.
وتُشرف على الانتخابات هيئة خاصة اسمها "هيئة الإشراف على الانتخابات"، وتتألف من 11 عضوا، وتمارس دورها المستقل، وبالتنسيق المباشر مع وزير الداخلية والبلديات.
كما يحق لهيئات المجتمع المدني المختصة، تحت إشراف الهيئة، مواكبة الانتخابات ومراقبة مجرياتها، وفقا لشروط معينة.
كيف جرى التوافق على هذا القانون الانتخابي؟ ولماذا؟
صدر القانون النسبي لانتخاب أعضاء مجلس النواب في 17 يونيو/حزيران 2017. وقبله، كان لبنان يعتمد بانتخاباته المتعاقبة، على النظام الانتخابي الأكثري البسيط. ويصف زياد بارود القانون السابق بالسيئ جدا.
ورغم أنه كان يترك للناخب حرية تشكيل لائحته بنفسه، "لكن نحو 75% من الناخبين مثلا بانتخابات 2009 التي اعتمدت لآخر مرة النظام الأكثري، صوتوا للوائح مقفلة، لأن التوجه السياسي المسيطر كان يدفع نحو اتجاه تسقيط اللوائح بالصناديق كما هي، ثم تألف البرلمان من بلوكات حزبية تقليدية بلا مستقلين معارضين".
ويروي وزير الداخلية الأسبق آلية التوافق على القانون الحالي، الذي طرأت عليه بعض التعديلات بعد اعتماده بانتخابات 2018.
وبحسب بارود، جرى التوافق على القانون عام 2017 بمطبخ لبناني مقفل داخل البرلمان، وعنوانه الشيّق كان "إدخال النسبية لأول مرة بتاريخ الانتخابات البرلمانية اللبنانية"، لكن "الشياطين" تكمن بتفاصيله لأسباب عديدة يذكر أبرزها:
رغم أن النسبية كانت مطلبا أساسيا، لكن اعتمادها لم يكن بإطار جيد، نظرا لاعتماد حاصل مرتفع ومتحرك.
الإشكالية الأهم هي اعتماد القانون الانتخابي على "الصوت التفضيلي" الواحد ضمن اللائحة الواحدة، إذ يختار المقترع مرشحا واحدا ضمن اللائحة التي صوت لها، يعطيه صوته التفضيلي، على أن يكون المرشح حصرا من دائرته الصغرى.
وهذا الصوت هو "ترتيبي"، بمعنى إذا حصلت اللائحة على 3 مقاعد، يتم توزيعها على أول 3 حصدوا أعلى نسبة أصوات تفضيلية باللائحة.
لا يضبط القانون الانتخابي حركة المال السياسي، مما يعزز الإنفاق المالي الهائل، ويؤثر على حرية الناخب، ولم يلحظ القانون رفع السرية المصرفية للمرشحين، ولحظ فقط فتح حساب مصرفي لحملة المرشح الانتخابية، دون مراقبة حساباته الأخرى وحسابات أفراد عائلته.
وهنا يضيء علي سليم على المادة 62 من قانون الانتخابات الحالي، ويصفها بالمشكلة الكبرى. ففي فقرتها الأولى تقول بما معناه "منع المرشحين من تقديم خدمات ومساعدات عينية ونقدية للناخبين خلال فترة الحملات الانتخابية، وتعتبر غير قانونية"، لأنها نوع من الرشى وشراء الأصوات.
لكن الفقرة الثانية من المادة نفسها تقول "لا تعتبر محظورة التقديمات والمساعدات المقدمة من مرشحين أو مؤسسات وجمعيات يديرها مرشحون أو أحزاب درجوا على تقديمها بذات الحجم والكمية بصورة اعتيادية ومنتظمة منذ ما لا يقل عن 3 سنوات من بدء فترة الحملة الانتخابية".
وهذا التناقض، يبرره سليم بغياب الآلية القانونية لتتبع المرشح أو الحزب، إن كان يقدم فعلا مساعدات بصورة متواصلة منذ 3 سنوات، مذكرا بأن مدة عمل هيئة الإشراف على الانتخابات سنة واحدة، منقسمة 6 أشهر قبل الانتخابات و6 أشهر بعدها.
وقال "إن المادة تعطي امتيازا غير مباشر للمرشحين النافذين الذين يحولون المساعدات لرشى انتخابية".
ما الحاصل الانتخابي وفق القانون الانتخابي؟
الحاصل الانتخابي يحتسب بناء على معادلة عدد المقترعين بكل دائرة، مقسومة على عدد مقاعدها. مثلا، إذا بلغ عدد المقترعين بدائرة ما 100 ألف مقترع فعلي، والدائرة تضم 10 مقاعد، يكون الحاصل فيها 10 آلاف صوت.
بمعنى، أن كل لائحة بالدائرة يجب أن تحصل على 10 آلاف صوت، حتى تتأهل للمنافسة على المقاعد المحددة لها، وإلا تكون بحكم الخاسرة، وفق زياد بارود.
ويضيف الوزير الأسبق أن الحاصل الانتخابي، بالمعايير الديمقراطية في العالم، يكون بمعدل 5%.
أما لبنان فقد يصل إلى 20%، وهو ما حصل بانتخابات 2018، بدائرة جزين-صيدا، بينما تتراوح النسبة بين 7% و20% بالدوائر الأخرى.
ويقول علي سليم إن الحاصل أشبه بالعتبة التي تؤهل اللائحة ومرشحيها للمنافسة على المقاعد، ويتحقق عبر تصويت المقترعين للوائح.
ويتوافق بارود وسليم على أن طبيعة تحقيق الحاصل والأصوات التفضيلية تعزز الأنانيات والفردانية داخل اللائحة الواحدة، التي قد ينشغل أفرادها بالتنافس ضد بعضهم على كسب أكبر قدر من الأصوات التفضيلية، بدل التركيز على برنامج اللائحة.
وقال سليم إن التنافس على الأصوات التفضيلية بين مرشحي اللائحة، يعطي النافذين فيها حظا أوفر، ويحوّل دور الزملاء الأقل خبرة وقدرة مالية إلى ملء الفراغ، لأنه يصعب فوز إحدى اللوائح بكل مقاعدها.
كيف يعزز القانون الانتخابي الفرز الطائفي؟
يعتبر الوزير بارود أن الصوت التفضيلي ضمن تركيبة الدوائر والمقاعد، أكثر ما يعزز الفرز الطائفي، لأن المقترعين غالبا ما يعطون صوتهم التفضيلي لمرشح من طائفتهم، لأنه محصور بدائرته الصغرى.
ويصف علي سليم القانون الانتخابي بالطائفي بامتياز، لأنه يدفع المرشحين لمخاطبة أبناء دائرتهم الكبرى، ويركزون على أبناء دائرتهم الصغرى لحصد أكبر عدد من الأصوات التفضيلية، وغالبا ما تأخذ الخطابات طابعا طائفيا.
لماذا لم يتم تطوير القانون الانتخابي الحالي لصيغة أفضل؟
بحسب زياد بارود، كان هناك عدد من المشاريع الإصلاحية. و"سبق للهيئة الوطنية لقانون الانتخابات عام 2006، أن وضعت مشروع قانون يعتمد عدة إصلاحات، أحدها تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات تحل محل وزارة الداخلية، وتدخل الكوتا النسائية، وتعتمد النظام المختلط".
بمعنى أن عددا من مقاعد البرلمان، يُنتخب على أساس نظام نسبي بدوائر كبرى، وقسم آخر، ينتخب على أساس النظام الأكثري، لإعطاء توازن أكبر، وحتى يتيح للناخب أن يقترع بالوقت نفسه للائحة مقفلة على نظام نسبي، ويصوت لمرشحين آخرين وفق النظام الأكثري، لكن جرى رفضه من معظم القوى السياسية، وفق بارود.
ومن أسباب عدم تطوير القانون، برأي علي سليم، أنه لا يمر بشكل موضوعي على اللجان البرلمانية، ولا يتم إشراك الهيئات الخاصة وجمعيات تتبع الانتخابات ومراقبتها بصيغة القانون.
وقال إن لادي (LADE) بلقاءاتها مع لجان الإدارة والعدل وغيرها، اكتشفت أن اللجان يقتصر دورها على وضع الإجراءات التقنية للانتخابات، بينما صياغة القانون بالمعنى السياسي العميق، يُحصر بعدد قليل من أفراد القوى السياسية بالبرلمان.
من المستفيدون من القانون الانتخابي؟
يعتبر زياد بارود أن المستفيد الأول هم الأحزاب التقليدية التي هندست القانون الانتخابي. مما تجلى برأيه على مستوى تحالفاتها ولوائحها، التي بدت متجانسة أكثر من لوائح قوى المعارضة.
والرابح برأيه، هم جميع المرشحين والمتمولين المستفيدين من تشوهات الاقتصاد اللبناني، سواء كانوا من السلطة أو معارضين، بعدما تحول بفعل الأزمة المالية والمصرفية إلى اقتصاد نقدي (كاش)، دون الاعتماد بشكل رئيسي على البطاقات المصرفية، مما أغرق لبنان أكثر بضبابية حركة المال السياسي الانتخابي، وأيضا كل من يسيطرون على المشهد الانتخابي بالإعلام أو بالرشى.
ويقول علي سليم إن القانون الانتخابي كان بمثابة صفقة بين الأحزاب السياسية التي وضعته، بعد تأجيل الانتخابات لدورتين بعد انتخابات 2009، وتوافقت عليه الأحزاب الكبرى وفي طليعتها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية.
أما الخاسرون، وفق بارود، فهم المجموعات المعارضة غير المنظمة ومن ليس لديه القدرة المالية للترشح وخوض المعركة.
من جانبه، يجد علي سليم أن اللبنانيين بالمدى المتوسط والبعيد، هم الخاسرون، لأن القانون لا يوفر دينامية للتغيير، ولا يمنح المرشحين فرصا عادلة، ويقونن إسراف المال الانتخابي تحت مسميات عديدة، ويحتسب الأصوات قياسا لكوتا الطوائف والأحزاب.
المصدر : الجزيرة