كيفَ أبطَلَ القرآنُ الكريمُ عادةَ التّبنّي عمليًّا؟
كيفَ أبطَلَ القرآنُ الكريمُ عادةَ التّبنّي عمليًّا؟
كيفَ أبطَلَ القرآنُ الكريمُ عادةَ التّبنّي عمليًّا
وقد جاء الاسلام لكنه لم يبطل التبني دفعة واحدة بل تدرج في ابطال هذا الامر اذ ان العرب قديما كانوا اذا راوا من الفتى شجاعة وقوة نسبوه وضموه الى انفسهم وحددوا له نصيبا من الميراث كباقي الأبناء كما ينسب اليه في الاسم .
هل أبطَلَ القرآنُ الكريمُ عادةَ التّبنّي عمليًّا
ومن الجدير بالذكر ان النبي محمد عليه السلام كان متبنيا لشاب من سبايا الشام وبعد تبنيه له خرج لقومه وأخبرهم بانه ابنه وانه يرثه لياتي الاسلام ويحرم التبني لان الاسلام جاء ليعالج ويصلح حال الامه في الدين وفيما يخص الأوضاع الاجتماعية فقد أمر باصلاحها بالتدرج
وأخذ الاسلام ينظم علاقات الأسرة على أساسها الطبيعي كما حكم صلتها وروابطها، بما يجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه فبدأ بأبطال عادة التبني هذه في التبني واقتصر علاقة النسب على علاقة الأبوة والبنوة الواقعية .
والحكمة في إبطال نظام التبني في الإسلام
1- إن روابط الأسرة الصغرى في الإسلام من الأبوين والأولاد تعتمد على رابطة الدم الواحد والأصل المشترك، وهي رابطة أو علاقة ((الرحم المحرم)) لذا حرَّم الإسلام التزاوج بين الأقارب المحارم حفاظاً على سمو العلاقة وقطع الأطماع في علاقة زوجية تقوم أساساً على الاستمتاع الجسدي وإفراغ الشهوة، وتبادل المصالح المادية أو الإنسانية، وقد تؤدي هذه المصالح إلى تصادم في الرغبات والأهواء والشهوات، فإذا وجدت بين الأرحام كانت سبباً في القطيعة، والنزاع والخصام، والسب والشتم والنفور، وفي الجملة: إن نظام التبني يتعارض مع حقائق وأصول الشرع الإلهي والأخلاق القويمة والولد المتبنى غريب عن هذه الأسرة، فلايكون له حكم قرابة الأرحام.
2- إن الإسلام يقوم في جميع علاقاته الاجتماعية على أساس من الحق والعدل ورعاية الحقيقة، وهذا يقتضي نسبة الولد إلى أبيه الحقيقي، لا لأبيه المزعوم أو المزوَّر، والحق أحق أن يتبع ويحترم.
3- إن نظام الإرث في الإسلام مقصور على القرابة القريبة، لا البعيدة نسبياً، ومن باب أولى حال عدم وجود القرابة، والولد المتبنَّى ليس له أية قرابة بالأسرة الصغرى، فكيف يحق له أن يرث فيما لو أجيز نظام التبني؟ إن صون حقوق الأقارب الورثة هو الواجب المتعين، فلابد من الحفاظ على حقوقهم من الضياع أو الانتقاص فيما لو تسرب جزء من التركة أو قرر لغيرهم من الأجانب عن الأسرة الصغيرة حق في الميراث.
4- التبني مجرد تحقيق نسب مزعوم أو قول باللسان، لا أساس له من شرع أو منطق أو حكمة ثابتة، وحينئذ لا تكون نسبة الولد إلى غير أبيه الصحيح نسبة صحيحة، وإنما هي مزورة، ولا تكون زوجة الولد المتبنى إذا طلقها مثلاً حراماً على الوالد المتبني. والواجب دعوة الولد لأبيه الحقيقي صاحب الحق في النسب، لا من طرق التبني، والله تعالى إنما يشرع ويقول الحق، وهو يهدي البشرية إلى سواء السبيل ومنهج الأصالة والعدل، فيجب إبطال تلك العادة غير القائمة على أسس صحيحة، ونسبة الولد إلى أبيه المعروف، وهو معنى قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أحق وأعدل.
5- إن الولد المتبنى غريب عن الأسرة الصغيرة، ذكراً كان أو أنثى، فلا ينسجم معها في خلق ولا دين، فإذا كان الولد أنثى، اطلع الرجل على جسدها، وهذا ممنوع شرعاً ، وربما تورط في الاتصال الجنسي بها ؛ لأنه في قرارة نفسه يعتقد أنها غريبة أو أجنبية عنه، وإذا كان الولد ذكراً ربما اعتدى على زوجة الرجل المتبني، أو على ابنته أو أخته، لأنه لابد من أن يعرف يوماً ما أنه غريب عن هذه الأسرة، سواء في الحاضر أو المستقبل، وبخاصة في عهد الشباب، وقد يكون الاعتداء جريمة قتل أو جرح أو سلب مال حينما يدرك الولد المتبنى أنه ليس ابناً حقيقياً لمن تبناه، وهذه مفاسد ومنكرات جنّب (باعد) الإسلام عنها.
6- التبني يكون ظلماً للوالد الحقيقي وإهداراً لمعنوياته ومساساً بكرامته وحقوقه.
7- التجانس الاجتماعي في العادات والتقاليد بين أفراد الأسرة الواحدة أساس في استقرار الأسرة، وطمأنينتها، وتبادل عاطفة المحبة السامية غير النفعية فيما بين الكبار والصغار فيها. والتناغم الثقافي والمعرفي الممتد تلقائياً في أجواء الأسرة الواحدة يساهم مساهمة فعالة في تماسك البنية المعرفية للثقافة الواحدة، والانتماء العقدي، وتطبيق شرعة الدين الواحد للأسرة، ومعطياتها المتنوعة من موروثات عريقة قادرة على مواكبة العصر، واستمرار الحياة الآمنة المطمئنة، في إطار من الحفاظ على خصوصية الهوية وتفرد شعار ورموز الشخصية الذاتية. وإذا تحقق الانسجام العاطفي والمعرفي، وتوحدت المصلحة، ساعد كل ذلك على بناء مجتمع متماسك، لايعكر صفوه لون غريب، أو شخص بعيد، تختلف فطرته ومشاعره وطموحاته عن ثوابت الأسرة الواحدة. والاستظلال بمظلة المبدأ الواحد، والمنشأ الواحد، يساعد في الغالب على تكوين مجتمع قوي منسجم، يمارس نشاطه الأسري والاجتماعي من خلال وحدة المنطلق، ووحدة الغاية، والولد المتبنَّى غريب عن هذه الأسرة في طبعه وميوله، ومشاعره ومبادئه، وعقيدته في الحياة، وتطلعاته في المستقبل، مما يعكر صلته بالتأكيد مع أسرة تختلف عنه في كل ذلك، ويؤدي إلى هزّ كيان هذا المجتمع الصغير، ويشكك في صدق الانتماء إليه، ويخل بمقتضيات الثقة ووحدة العلاقة.
8- تختلف مقومات فلسفة الأسرة في الإسلام عن غيرها من الأسر التي لاتأبه عادة بالأخلاق والقيم، ورعاية مقررات الحلال والحرام، والحفاظ على العرض، وخلق الحياء، ونقاء الأصل والفرع، ووحدة الأصل والدم. وهذا يتنافى مع نظام التبني الذي يعكّر صفو كل هذه المعاني، مما يجعل التبني مفسدة أو مضرة اجتماعية، وفي غير مصلحة الإنسان نفسه، سواء المتبني أو المتبنَّى. أما ظروف اللقيط أو مجهول النسب أو المتشرد فقد تستدعي من الناحية الإنسانية ضرورة الحفاظ على وجوده، ومعاملته معاملة كريمة تقوم على الود والرحمة، وحفظ أخ في الإنسانية من الضياع.