تفسير"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"
تفسير"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"، المقصود: أن الله -جل وعلا- يحث عباده، يحثهم على النظر في مخلوقاته لما فيها من العبر والدلائل على قدرته العظيمة، وأنه رب العالمين، وأنه المستحق للعبادة، ولهذا يقول: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17].
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت .
انظر . . كيف اجتمعت الإبل في هذه الدلالة مع السماء والجبال والأرض؟
ثم كيف تقدمت على هذه المخلوقات الكبرى الدالة بعظمتها على عظمة خالقها؟
يرى العلماء أن الإبل أفضل دواب العرب وأكثرها نفعاً، فهي غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تنقاد مع الطفل الضعيف، وينيخها ليضع عليها أحمالها، ثم تقوم بما تحمله مما تنوء به العصبة أولو القوة، وتصبر على الجوع والعطش الأيام المعدودة، وتبلغ في سفرها المسافات الطويلة، وترعى كل نبت في البراري، فخلقها عجيب، وأمرها غريب، وسبحان الله الحكيم العليم .
يقول الزركشي في البرهان: فإنه يقال: ما وجه الجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في هذه الآية؟
والجواب: إنه جمع بينهما على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر، فإن كان انتفاعهم في معايشهم من الإبل، فتكون عنايتهم مصروفة إليها، ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب، وذلك بنزول المطر، وهو سبب تقلب وجوههم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم، وحصن يتحصنون به، ولا شيء في ذلك كالجبال، ثم لا غنى لهم - لتعذر طول مكثهم في منزل - عن التنقل من أرض إلى سواها فإذا نظر البدوي في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور .
ويقول الدكتور صبحي الصالح:
لو دققت النظر في الآيات لوجدت لوحة متناسقة، في السماء المرفوعة، والأرض المسطوحة، والجبال الشامخة، والجمال التي تنصرف إليها عناية أهل الوبر في الصحراء، ويعتمدون عليها في حياتهم .