الهاتف الذكي الأوروبي الذي حظي بأكبر اهتمام عالمي على الإطلاق بعد آيفون
كانت أوروبا منذ فترة طويلة جداً تتربع على عرش صناعة أجهزة الهاتف في العالم؛ حيث كانت هواتف نوكيا الأكثر استخداماً على مستوى العالم، وصنعت سوني أريسكون أجهزة حظيت بشعبية كبيرة بين المستخدمين، وتحدث الناس أيضاً عن سيمنز.
طويت تلك الصحفة، وولى عهد تلك الشركات التي كانت تكتسح المشهد في يوم ما، واستغرق سقوطها عدة سنوات وجاء بطرق متعددة، سوى أننا يمكننا ربطه بالوقت الذي تحولت فيه هواتفنا الغبية القديمة إلى أجهزة ذكية، وباتت تتمتع بشاشات تعمل باللمس كما الحال اليوم.
انهارت نوكيا وسوني وإريكسون وسيمنز موبايل، واختفت الهيمنة الأوروبية في عالم الهواتف الذكية، وحلت مكانها شركات عالمية أخرى، مثل: آبل وسامسونج اللتان تهيمنان على سوق الهواتف الذكية في أوروبا. وتشير الإحصاءات إلى استحواذ شركة آبل على حصة تبلغ 34.29 في المئة من سوق الهواتف الذكية في القارة الأوروبية، تليها سامسونج بحصة سوقية تبلغ 31.21 في المئة، بالإضافة إلى العلامات التجارية الصينية الأخرى التي تستحوذ على حصص متفاوتة من السوق الأوروبية، وهي: شركة شاومي (13.97 في المئة)، وشركة هواوي (7.57 في المئة)، وشركة أوبو (2.4 في المئة).
وتهيمن قارتان حالياً على سوق الهواتف الذكية في أوروبا، هما: أمريكا الشمالية وآسيا. ولكن، في الواقع حتى نكون دقيقين تماماً، فسنقول إن شركة آبل وقارة آسيا هما اللتان تهيمنان على سوق الهواتف الذكية في القارة الأوروبية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لما لا تمتلك أوروبا هاتفاً ذكياً مهيمناً؟ ما الذي يتطلبه الأمر حتى تستعيد أوروبا أمجادها وريادتها في قطاع صناعة الهواتف الذكية؟ وهل سنشهد ذلك مرة أخرى؟ وهل ذلك مهم وحيوي بالنسبة لأوروبا؟
ووفقاً لجاي ستريجاك، المدير المساعد في شركة كاونتربوينت للأبحاث، فإنه من شبه المستحيل أن تستعيد أوروبا مكانتها مجدداً بصفتها رائداً عالمياً في صناعة الهواتف الذكية، وعزا ذلك ببساطة لعدم وجود متسع لها في السوق في ظل هيمنة آبل وسامسونج والمنافسة الشرسة من قبل الشركات الصينية.
وبعد إجراء بحث دقيق، نجد هنالك نشاط واضح لعلامتين أوروبيتين في السوق الأوروبية، هما: فيرفون (Fairphone) ونوثينغ (Nothing)، ولا يمكن اعتبار نوكيا شركة أوروبية بعد أن استحوذت عليها شركة إتش إم دي جلوبال في عام 2016.
فيرفون تشق مساراً جديداً في السوق الأوروبية
لعل اسم العلامة التجارية يشير بوضوح إلى محاولة الشركة الألمانية تصنيع أجهزة هواتف مستدامة وصديقة للبيئة قدر المستطاع، وقابلة للإصلاح والتحديث.
ويتجلى ذلك في أحدث أجهزتها، وهو هاتف فيرفون 4، الذي صنعته من مواد ذات مصادر مسؤولة أخلاقياً ومواد معاد تدويرها. وتوفر الشركة ضمان لمدة خمس سنوات، الأمر الذي يكاد يكون نادراً في هذه الأيام.
ووفقاً لنائب رئيس عمليات الإنتاج في شركة فيرفون، هوايان وانغ، فإن مفتاح النجاح في السوق بشكل عام يتمثل في الرؤية الواضحة والتركيز الكبير على المشكلات التي نحاول إيجاد حلول ناجعة لها، وعلى العميل الذي نقوم ببيعه المنتج. وبالرغم من ذلك، هذا ليس كل شيء يتطلبه نجاح علامة تجارية في هذه السوق. ففي الوقت الذي تقوم فيه شركة فيرفون بعمل مثير للإعجاب فإنها لا تزال تمثل لاعباً صغيراً على المستوى العالمي؛ حيث باعت الشركة 450000 هاتف منذ تأسيسها في عام 2013، وفي المقابل، باعت شركة آبل 217 مليون هاتف في عام 2018.
وقال هوانغ إن السبب في عدم وجود شركات أوروبية تنافس آبل والشركات الآسيوية متعلق بسلوك المستهلك الذي يركز على القيمة مقابل المال الذي يدفعه؛ حيث يرغب معظم المستهلكين في دفع 600 يورو والحصول على أفضل هاتف من حيث الموصفات والتصميم. واستفادت الشركات الصينية على وجه الخصوص من هذا السلوك الاستهلاكي التي تمتلك حصة الأسد في مجال تصنيع الإلكترونيات على المستوى العالمي؛ وهذا يتيح للشركات تقديم منتجات بأسعار أقل، مما يجعل الشركات الأخرى في مناطق أخرى من العالم وفي أوروبا على وجه الخصوص بمنأى عن المنافسة.
وتُعد شركة آبل استثناءً من هذه القاعدة في الغرب، إلا أن ذلك مرتبط أيضاً بنموذج أعمالها، والتسويق، وقدرتها على التحكم بسلاسل التوريد الخاصة بها. هذه سلسلة من العوامل التي من شبه المستحيل توفيرها في يومنا هذا هنا في أوروبا.
وهكذا من الصعب على شركة أوروبية ينصب تركيزها على حل مشكلات معينة، وتشق طريقها في سوق جديدة وضيقة أن تنافس على الصعيد الدولي.
نوثينغ Nothing .. هل هناك أمل؟
شركة أوروبية أخرى لديها فرصة لإعادة القارة الأوروبية إلى الخارطة؛ وهي شركة نوثينغ التي أسسها كارل بي مستندة إلى شهرة ون بلس OnePlus، وقد أحدثت هذه الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها ضجة بين أوساط التقنيين من خلال منتجاتها المتطورة: سماعات الأذن والهواتف.
ووفقاً لستريجاك فإن الشركة قد تلقت أكبر قدر من الاهتمام، وأحدثت ضجةً كبيرة في هذا المجال أكثر من أي علامة أخرى على الإطلاق في هذا المجال باستثناء آبل.
وتكمن المشكلة، بحسب رأي ستريجاك، في أنها لا تتعدى فيما تقدمه سوى جهاز لشريحة ضيقة جداً من المتخصصين التقنيين، وقال إنه حتى في ذروة ون بلس، لم تصل حصة الشركة سوى إلى قرابة 4 في المئة من السوق الأوروبية.
وبالنظر فيما إذا كان هناك إمكانية لتصبح الشركة لاعباً مهيمناً في سوق الهواتف الذكية، قال ستريجاك أن نهج شركة نوثينغ الحالي متخصص للغاية ويستهدف شريحة ضيقة، مما يجعلها تستقطب المستخدمين المتطورين تقنياً، وتدخل في منافسة مع شركات متطورة تقنياً مثل آبل، أكثر من كون منتجها هاتفاً يلبي احتياجات جميع الشرائح. وبالتالي يمكن لشركة نوثينغ أن تحصل على حصة جيدة من السوق لكنها لن تكون لاعباً مهيمناً.
استحالة ظهور هاتف ذكي أوروبي يهيمن على المبيعات العالمية
كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فقدان أوروبا لمكانتها في سوق الهواتف هو الانفصال عن رغبة المستهلك وما يمكن أن تقدمه شركات مثل نوكيا وسيمنز. لم تستطع الشركات من القارة الأوروبية ببساطة دخول المنافسة في ظل القيمة التي يمكن للشركات الصينية تقديمها، أو التقدم التكنولوجي والدهاء التسويقي لشركتي آبل وسامسونج.
وقال ستريجاك إن السوق الأوروبية بحاجة إلى معجزة حتى يظهر فيها هاتف ذكي يهمين على القطاع على المستوى العالمي. وأضاف إنه من غير المرجح أن يفقد اللاعبون الكبار والشركات الصينية ريادتها والمزايا التي تتمتع بها مقارنة مع منافسيهم الأوروبيين. إن حجم الاستثمار المطلوب لمواكبة سنوات التنمية الطويلة لتلك الشركات سيكون مذهلاً، وعلى الأرجح غير فعال. حيث يمتلك صانعو الهواتف الذكية الأوروبيون القدرة على الازدهار، ولكن يجب عليهم العثور على سوق مختص وتخديمه، بدلاً من خوض معركة مواصفات وأسعار لا يمكنهم الفوز فيها.
أهمية امتلاك السوق الأوروبية هاتف ذكي مهمين
وفقاً لستريجاك فإنه من غير المهم أن تمتلك السوق الأوروبية بهاتف ذكي مهمين من وجهة نظر العلامة التجارية، إلا أن ذلك يضر بأوروبا من ناحية فرض السيطرة والنفوذ.
إلا أن هناك جزئية مهمة جداً هنا، وهي أن عدم قدرة الشركات الأوروبية على التصنيع لأسباب ذكرناها سابقاً سيجعلها تستعين بالصين، وهنا تكمن المشكلة بالنسبة لأوروبا حالها حال العديد من مناطق العالم الأخرى. ودعونا لا ننسى ما تعلمناه من كورونا عندما تأثرت سلاسل التوريد والشحن وحدث نقص في الشرائح الإلكترونية الذي أثر أيضاً في القارة الأوروبية التي عانت اقتصادياً، كما تأثرت صورتها وموقعها العالمي.
وكانت هنالك وما تزال العديد من المبادرات والقرارات والقوانين التي تدعم صناعة الشرائح الإلكترونية في أوروبا. ومن المؤكد أن حصول أوروبا على هاتف ذكي مهيمن عالمياً يرتبط ارتباطا وثيقاً بقدرة القارة الأوروبية على التصنيع المحلي بذات التكلفة في الصين، ويرى الكثيرون أن ذلك غير قابل للتحقيق في الوقت الراهن.
صحيح أنه من غير المحتمل أن تقوم شركة أوروبية بصناعة هاتف يهيمن على المبيعات العالمية مجدداً كما كان الحال سابقاً، لكن هذا لا يعني أن القارة خارج سباق الهواتف المحمولة تماماً. بدلا من ذلك، أصبحت الآن جزءاً من منظومة تكنولوجية عالمية تزدهر بالتعاون بين الدول لدفع الصناعة إلى الأمام.
كما من المحتمل أن يستمر المصنعون في القارة الأوروبية في تحقيق النجاح من خلال تقديم منتجات متخصصة لشرائح عملاء محددة، بدلاً من صنع هذا النوع من الأجهزة العالمية التي تصنعها آبل. ولا حرج في ذلك على الإطلاق.