هل إيران حليف لروسيا؟
هل إيران حليف لروسيا؟ في السابق، طالما سمعنا عبارة "إيران ليست حليفا لروسيا" من المحللين والخبراء الروس وغيرهم عند مناقشة بعض الأحداث في سوريا.
وقد أدى تعاون البلدين في الصراع السوري إلى ظهور تبسيط لمعرفة الأعمال الروسية الإيرانية المشتركة من جانب بعض العرب.
تاريخ التفاعل بين روسيا وإيران معقد ومتعدد الأوجه.
فقد نشأت روسيا كدولة إلى حد كبير بسبب التجارة مع بلاد فارس، ونشأت المدن الروسية الرئيسية ونمت إلى حد كبير بفضل طرق التجارة التي مرت على طول نهر الفولغا من بحر قزوين إلى دول بحر البلطيق، واتخذت المملكة الروسية خطواتها الأولى نحو إمبراطورية عظيمة فقط بعد أن أخضع إيفان الرهيب تتار قازان وأستراخان، ما جعل هذا الطريق التجاري بأكمله آمنا.
ومع ذلك، فمع توسع الإمبراطورية الروسية، تنافس البلدان بشكل متزايد على النفوذ في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وفي الحقبة السوفيتية، كان هناك بعض الصفحات السوداء في العلاقة بين البلدين.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تداخلت الطموحات السياسية للبلدين في نفس المنطقة، مما خلق أرضية للتنافس، أو على الأقل على مستوى إمكانية ذلك، وكانت العلاقة حذرة ومحدودة.
في الوقت نفسه، وعلى مستوى الاقتصاد، تجاذب البلدان إلى أقطاب مختلفة، وكان تشابه مسميات التصدير يحد من اهتمامهما الاقتصادي ببعضهما البعض.
من الناحية الموضوعية، وقبل الأحداث في سوريا، لم تكن هناك أسباب للتعاون الوثيق، في الوقت الذي لم توجد فيه أيضا أسباب للعداء.
لكن كل شيء تغير الآن. فقد أدى إغلاق الموانئ والأسواق الأوروبية أمام روسيا إلى إعادة توجيه التجارة الروسية إلى الشرق والجنوب دون منازع، وقد يصبح الطريق القديم عبر إيران إلى دول المحيط الهندي مرة أخرى أحد طرق التجارة الرئيسية لروسيا.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري للبلدين في العام الماضي 4 مليارات دولار على الرغم من أنه تضاعف خلال العام 2021. لكن الطرفين أعلنا عن اعتزامهما إلغاء التعريفات الجمركية بين البلدين، ما سيسفر عن مضاعفة التبادل التجاري إلى 10 أضعاف في السنوات القادمة.
إلا أن هناك ظروف أكثر خطورة.
ففي الظروف الراهنة، يعد حجم السوق أحد الشروط الرئيسية للمنافسة الاقتصادية الناجحة، ويزداد ذلك أهمية في سياق انهيار العولمة وتشكيل مناطق اقتصادية ونقدية إقليمية.
يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية 336 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان الاتحاد الأوروبي 446 مليون نسمة.
ولا حاجة هنا للتعريف بعدد سكان الصين.
ويبلغ عدد سكان روسيا 147 مليون نسمة، وإيران 86 مليون نسمة، وتركيا 83 مليون نسمة، أي أن الدول الثلاث معا يبلغ تعداد سكانهم 316 مليون نسمة. فإذا أضفت إلى ذلك التعداد عددا قليلا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، سيكون السوق أكبر من سوق الولايات المتحدة، وأعتقد أن الاتحاد الأوروبي لن يستمر في شكله الراهن، على الرغم من أن ألمانيا ربما تكون قادرة على الإبقاء على عدد قليل من البلدان حولها.
كذلك فنحن نرى أن منظمة "بريكس" تتحول تدريجيا إلى منطقة نفوذ للصين. فلم يتم استنفاد إمكانات النمو الاقتصادي للصين بعد، وعلى الرغم من فقاعة الديون العملاقة التي دعمت إلى حد كبير النمو الاقتصادي للبلاد على مدار الـ 15 عاما الماضية، فمن المحتمل ألا تصيب الأزمة الاقتصادية وانهيار العولمة الصين بنفس الضربة المميتة التي ستصيب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. بل ومن المرجح أن تظل الصين "ورشة العالم" حتى بعد الأزمة، وستحل عملتها محل الدولار كعملة عالمية.
ومع ذلك، فإن كل من روسيا وإيران (وتركيا) حضارات متفردة ولها طموحاتها الخاصة بها، والتي تثمن تراثها الثقافي وتسعى جاهدة للحفاظ على هويتها السياسية. تلك الدول ليست قوية بما يكفي للتنافس بمفردها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين، إلا أن وزنها المشترك سيكون كافيا لتحقيق هذا الهدف.
ولهذا، كان ظهور هذا المثلث السياسي الجديد بين روسيا وإيران وتركيا في سوريا كان أمرا منطقيا في حالة تتحد فيها القوى المتنافسة من أجل مقاومة الهيمنة الأمريكية.
وبنفس المبدأ وعلى نفس الأسس في الاقتصاد سيصبح هذا المثلث أكثر أهمية في العقد أو حتى العقود القادمة.
وبغض النظر عمن هو المهيمن على العالم سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين، فسوف تدفع الظروف والتطلعات الخاصة لروسيا وإيران وربما تركيا إلى تشكيل تحالف سياسي واقتصادي طويل الأجل، أو على أقل تقدير شكل للتعاون الوثيق إن لم يكن تحالفا. علاوة على ذلك، يبدو لي أن الأمور في الاقتصاد ستسير بوتيرة أسرع مما هي عليه في السياسة.
السؤال المهم حاليا أمام عرب الخليج: ما الذي يعنيه تحالف روسيا ولإيران بالنسبة لهم، إضافة إلى زيادة التجارة مع روسيا وآسيا الوسطى؟
إن إيران أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، كجسر لمنطقة الخليج وما وراءها نحو جنوب آسيا، من مجرد كونها دولة فحسب. ومن مصلحة روسيا الحيوية ان تحافظ على العبور عبر إيران، ما يعني السلام والاستقرار في المنطقة، التي ستكون أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لروسيا.
وعليه فإن دول الخليج العربية في رأيي يجب ألا تخاف من التقارب الروسي الإيراني، بل أن ترحب به.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف