هل ألغت تركيا عمليتها العسكرية شمال سوريا؟
أعلنت تركيا مرارا أنها على وشك إطلاق عملية عسكرية جديدة شمال شرقي سوريا.. وأرفقت إعلانها بتأكيد إتمام استعداداتها العسكرية واللوجستية.
وها قد مرت أسابيع على التصريحات التركية بهذا الخصوص، لكن العملية لم تُطلق، وهو ما دفع بالمحللين والمتابعين للتساؤل: هل ألغت تركيا عمليتها العسكرية؟ أم أنها أجَّلتها إلى موعد مناسب؟ أم أنها تريد تحقيق أهداف عمليتها بالوسائل السياسية والدبلوماسية بدلا من العسكرية؟
في الواقع، لا يخفى على أحد حجم التحديات، التي تواجه العملية العسكرية، التي تحدثت تركيا عنها لـ"مكافحة الإرهاب"، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تقول تركيا إنها "امتداد لمشروع حزب العمال الكردستاني".
ولعل من أبرز هذه التحديات:
1- الرفض الأمريكي لأي عملية عسكرية تركية تؤدي إلى نسف الاستقرار في شمال شرقي سوريا، والتأثير في جهود الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، في ظل التحالف الأمريكي مع "قسد" بهذا الخصوص، خاصة أن "قسد" تعد الحليف الوحيد للولايات المتحدة على الأرض في سوريا.
2- الرفض الروسي أيضا لهذه العملية، وسببه خشية موسكو من أن تؤثر العملية التركية في التوازنات القائمة على الأرض في سوريا، وبما يؤثر سلبا في دمشق، ويُضعف من موقفها في مواجهة الفصائل المسلحة، وهو ما سيصعّد بالتالي من وتيرة العنف والإرهاب والفوضى، لا سيما أن تجربة هذه الفصائل في مناطق الشمال السوري مليئة بالممارسات العنفية إلى حد ارتكاب جرائم.
3- خوف تركيا من أن تؤدي أي عملية عسكرية دون شبكة أمان سياسي من واشنطن وموسكو إلى استنزافها، وتكون مدخلا للانجرار إلى مستنقع أمني وسياسي، ما قد يترك تداعيات سلبية على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في الداخل التركي، لا سيما مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الصيف المقبل.
أمام هذه التحديات، تبدو تركيا أمام عدة خِيارات، فهي لم تحصل على دعم أمريكي روسي لعمليتها العسكرية، وفي الوقت نفسه لا يبدو أنها ألغت هذه العملية، لذلك بدأت الأنظار تتجه إلى أمرين مهمين:
الأول: محاولة تركيا تحقيق أهداف عمليتها العسكرية بالوسائل السياسية والدبلوماسية، وذلك عبر السعي لطيّ صفحة الماضي مع دمشق، وفتح صفحة جديدة معها بتفاهمات تريدها تركيا من جهة إطار عمل مشترك ضد "قسد"، حيث أعلنت صراحة أنها ستقدم الدعم لدمشق بهذا الخصوص، ومن جهة ثانية التفاهم مع دمشق لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى الداخل السوري.
ويبدو أن الرئيس التركي، رجيب طيب أردوغان، يعتقد أن كل ما سبق يمكن أن يتحقق من خلال لقاء مع نظيره السوري، بشار الأسد، ولعل ما يشجعه على المُضي في هذا المسعى هو الدعم الروسي الكبير لهذا الخِيار، لاعتبارات روسية، تتعلق أولا بكيفية ترتيب المشهد السوري مع تركيا في المرحلة المقبلة، وثانيا لأسباب تتعلق بمحاولة استمالة تركيا إلى جانبها في أزمة أوكرانيا، خاصة أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلنطي، الناتو، أبدت أقصى محاولات الحياد في هذه الأزمة، لتعزيز موقفها ودورها الإقليميَّيْن في كل الاتجاهات.
الثاني: ثمة قناعة تركية بأن التوقيت الحالي غير مناسب للقيام بعملية عسكرية، على اعتبار أن نتائجها في الداخل ستصرف في الصندوق الانتخابي، إذ حسب استطلاع تركي فإن أي عملية عسكرية تفقد أثرها لدى الناخب بعد مرور شهرين كأقصى حد، لذا يرى هؤلاء ضرورة تأجيل العملية العسكرية إلى موعد مناسب، بحيث تسبق الانتخابات بفترة كي يبقى أثرها في تصويت الناخب التركي، مع بقاء اليد على الزناد لتحقيق أقصى التنازلات من الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية.
من الواضح أن أي عملية عسكرية تركية في شمال شرقي سوريا مرتبطة بمواقف الأطراف المنخرطة في أزمة سوريا، ومن الواضح أيضا أن كلا من روسيا وأمريكا تريدان من تركيا العدول عن عمليتها العسكرية، ما يجعل من هذه العملية -بغض النظر عن دوافعها- في معرض التأجيل وربما الإلغاء، خاصة إذا تقدمت الجهود الروسية تجاه فتح صفحة جديدة بين دمشق وأنقرة.