"اللا حل" في المواجهة الروسية الأوكرانية
لا تزال فرص التوافق بين روسيا وأوكرانيا غائبة، مع توقع استمرار صدام الطرفين وسط تطورات في المديين القصير والمتوسط، وتمسك كل طرف بإدارة المشهد من جانبه.
وفي ظل تتالي عروض التسوية، والتفاوض من قبل الطرفين، وبعد أن نشرت كييف الاقتراحات، التي وضعها الرئيس زيلينسكي، والتي تدعو إلى سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، وتخلي روسيا عن المناطق الأربع التي أعلنت ضمها، إلى جانب شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها موسكو عام 2014.
في المقابل أعلن الرئيس الروسي بوتين استعداده للاتفاق مع جميع أطراف النزاع في أوكرانيا على حلول مقبولة، حيث تسعى روسيا للتفاوض على أساس الوضع الراهن في الجبهات المختلفة ومسارح العمليات.
وقد برز الموقف الراهن في تصريح الرئيس الروسي بأن "الحق الأخلاقي والتاريخي إلى جانب روسيا"، وأنَ أحداث عام 2022 "أرست الأسس للاستقلال الحقيقي" وفقا لتصوره السياسي والاستراتيجي.
ومع طرح كل طرف رؤيته، فإن هناك نقاطا مفصلية مهمة تفرض نفسها على صعيد ما يجري:
أولها: استمرار دعم دول حلف الناتو لأوكرانيا بتقنيات وأسلحة رقمية بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وهو أمر محفوف بعواقب يصعب توقعها على الاستقرار الدولي، حيث يتضح من هذا المخطط أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو العمل على هزيمة روسيا.. لهذا كان طبيعيا أن ترفض أوكرانيا، وحلفاؤها الغربيون، عرض الرئيس بوتين عقد محادثات في ظل قصف القوات الروسية للمدن الأوكرانية بالصواريخ.
ومعلوم أن القوات الروسية تخوض منذ أشهر معارك شاملة في شرق أوكرانيا وجنوبها، للدفاع عن الأراضي التي أعلنت موسكو ضمها، والتي تشكل منطقة دونباس الصناعية الأوكرانية مترامية الأطراف نقطة ارتكازها، ما أثر بالفعل على البنية التحتية لأوكرانيا، حيث باتت إمدادات الكهرباء تواجه نقصا كبيرا، مع فرض قيود على استهلاك الكهرباء في خمس مناطق أوكرانية، وتحديدا في كييف.
ثانيها: اتجاه روسيا إلى تبني إجراءات سياسية لمغازلة الداخل، حيث أعلنت إعفاء الجنود وموظفي الدولة المنتشرين في أوكرانيا من الضريبة على الدخل، وذلك في إطار جهودها الرامية إلى حشد التأييد لعملياتها العسكرية.. ويتعلق الإجراء الجديد بجميع الروس الذين يقاتلون في المناطق الأوكرانية الأربع التي أعلنت روسيا ضمها، رغم أنها ما زالت لم تسيطر عليها بالكامل.
ثالثها: توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرسوم رئاسي يحظر توريد النفط والمنتجات النفطية للدول التي فرضت سقفا سعريا على المنتج الروسي، على أن يدخل حيز التنفيذ في الأول من فبراير 2023 ويستمر لمدة خمسة أشهر.
وكانت مجموعة الدول السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي وأستراليا قد اتفقت على وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي المنقول بحرا عند 60 دولارا للبرميل، ردا على استمرار العملية العسكرية.
وقد نص القرار الروسي على أن تسليم النفط والمنتجات النفطية الروسية إلى كيانات وأفراد أجانب محظور ما لم يكن في العقود الخاصة بهذه التوريدات، مع استخدام آلية تحديد الأسعار القصوى بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأشار القرار الروسي على وجه التحديد إلى الولايات المتحدة، والدول الأخرى التي فرضت سقف الأسعار.
رابعها: اتفاق الرئيس الأوكراني زيلينسكي ولاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، أكبر شركة استثمار في العالم، على توحيد وتنسيق جهود المستثمرين المحتملين والمشاركين في إعادة إعمار أوكرانيا، وتقديم المشورة للحكومة الأوكرانية حول كيفية هيكلة أموال إعادة الإعمار في البلاد، وتوجيه الاستثمار إلى أكثر القطاعات أهمية وتأثيرا في الاقتصاد الأوكراني، كما وقعت وزارة الاقتصاد الأوكرانية مذكرة تفاهم مع شركة بلاك روك للاتفاق على إطار عمل للمساعدة الاستشارية فيما يتعلق بتطوير منصة خاصة لجذب رأس المال الخاص لإعادة اعمار أوكرانيا ودعم اقتصادها.
خامسها: في ظل كل التقييمات الاستراتيجية المطروحة ستكون المرحلة الراهنة للمواجهة العسكرية الروسية الأوكرانية حتما بعد فصل الشتاء، حتى بعد فصل الربيع، وستركز الخطة الروسية على العودة إلى إسقاط كييف عبر الأراضي البيلاروسية، وتطويق العمليات الهجوميّة الأوكرانية في كل من إقليمي خاركيف وخيرسون، مع التركيز على إسقاط كل إقليم الدونباس، وهو الذي كان ولا يزال يشكل العمود الفقري، مع العمل على استرداد كل الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الأوكراني، خاصة في الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا.
ولهذا فإنه من الواضح أن المواجهة الروسية الأوكرانية لن تنتهي بسهولة، ومن المرجح أن تستمر هذه الحرب في عام 2023، رغم جهود النيات الحسنة التي تبذلها بعض الأطراف الدولية والإقليمية.
سادسها: حدوث توافق صيني روسي وتكثيف الاتصالات والحوارات الثنائية مؤخرا، وهو الأمر الذي بات يزعج الولايات المتحدة ودول الناتو، بدليل القفزة المهمة التي جرت على صعيد إمدادات الغاز الروسي إلى الصين، منذ أن بدأت روسيا تحويل صادراتها من أوروبا إلى الشرق، حيث أصبحت روسيا تحتل المرتبة الثانية في إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين، والرابعة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال.
وقد أنهى الطرفان الروسي والصيني مؤخرا تدريبات بحرية مشتركة للبلدين في بحر الصين الشرقي، بهدف تعزيز الاستجابة المشتركة لتهديدات الأمن البحري، والحفاظ على السلام والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي، وهو ما اعتبره رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، ردا طبيعيا على الحشود الأمريكية في المنطقة.
في المجمل، سيبقى خيار "اللا حل" هو المطروح في المدى المتوسط في ظل تشبث الجانبين الروسي والأوكراني بعدم التوافق، ورفض الالتقاء في منتصف الطريق لبدء مفاوضات حقيقية قد يكون المرشح لها بقوة كوسيط الصين أو الهند.