أنقرة ودمشق ما بعد اجتماع موسكو
لم يكن اللقاء الأمني الثلاثي بين موسكو ودمشق وأنقرة مفاجئا، فقد جاء بعد لقاءات أمنية رفيعة المستوى بين تركيا وسوريا الفترة الماضية.
كما جاء اللقاء في ظل إصرار روسي على إتمام المصالحة بين الجانبين، وفي ظل رغبة تركية معلنة باستكمال التحول، الذي بدأ على مسار العلاقات التركية مع كل من مصر ودول الخليج العربي وإسرائيل، وعليه شكّل لقاء موسكو نقطة نوعية في جهود الأطراف الثلاثة، وإن كانت الأولويات مختلفة، فما جرى وضع ما يشبه خريطة طريق، تقودها اللجان الثلاثية، التي تمخضت عن اجتماع موسكو، وهي تتجه لعقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية، على أن يتلوها لقاء قمة على مستوى رؤساء البلدان الثلاثة.
موسكو تريد من المصالحة بين دمشق وأنقرة تحقيق جملة أهداف:
أولا، ترتيب المشهد السوري مع تركيا في ظل انشغالها بملف الأزمة الأوكرانية.
وثانيا، ضمان حياد موقف أنقرة من هذه الأزمة.
وثالثا، زيادة حدة الخلافات بين الأخيرة وواشنطن والأطلسي لصالحها.
ورابعا، دفع أنقرة إلى تركيز جهودها على الوجود الأمريكي في شمال شرقي سوريا، في إطار الصراع بين موسكو وواشنطن على أكثر من منطقة في العالم.
في المقابل ترى تركيا جملة فوائد من تحقيق المصالحة مع دمشق.. أولا في الوصول معها إلى تفاهمات لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي ترى فيها تهديدا لأمنها القومي، وثانيا في عقد تفاهمات معها بخصوص إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى الداخل السوري، ما يعني نزع ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية، وتخفيف أعباء الحزب الحاكم في الداخل التركي، وثالثا ضمان حصة لها في إعادة إعمار سوريا وإطلاق مشاريع تجارية واقتصادية معها، لا سيما مع الحديث عن جهود لتحويل تركيا إلى مركز للغاز الروسي ونقله إلى الخارج، فضلا عن أهمية مشاريع الطاقة في "المتوسط"، ورابعا أن يخدم كل ما سبق الرئيس أردوغان وحزبه في الصندوق الانتخابي.
أما فوائد دمشق من المصالحة مع أنقرة، فأهمها وضع خريطة طريق لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها تركيا، والرغبة المشتركة مع تركيا في وضع نهاية لتجربة الإدارة الذاتية في شرقي الفرات، وصولا إلى استعادة السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، ثم التطلع إلى تحسين العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا، بما يؤدي إلى التخفيف من أزمتها الاقتصادية والمعيشية بعد أن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
أمام هذه التطلعات المشتركة للأطراف الثلاثة، ثمة تباينات وعقبات وحسابات قد تقف أو تحد من استكمال المصالحة:
أولها الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، إذ إن التحرك العسكري ضد شرقي الفرات قد يؤدي إلى صدام مع الجانب الأمريكي، الذي يصر على استمراره هناك بحجة "محاربة داعش"، وهو ما قد يفجر حربا غير معروفة النتائج.
ثانيها أن الجهد الثلاثي لا يؤسس لحل الأزمة السورية وفق القرار الدولي 2254، وأي حل خلاف ذلك قد لا يحظى بقبول دولي، تحديدا غربي.
وثالثها عدم وجود رؤية تفصيلية واضحة حتى الآن بشأن القضايا الخلافية بين أنقرة ودمشق، لا سيما قضية الانسحاب التركي من المناطق السورية، ومصير الفصائل السورية المسلحة في هذه المناطق، ومسألة التلويح التركي الدائم بعملية عسكرية جديدة.
هذه القضايا، وغيرها، ستؤثر دون شك في وتيرة التقارب بين دمشق وأنقرة، لا سيما أن دمشق قد تكون لها حسابات تتعلق بمعرفة نتائج الانتخابات التركية المقبلة، خاصة أن لقاء موسكو جاء بعد حديث سوري عن رغبة في أن يكون اللقاء بين الرئيسين السوري والتركي بعد الانتخابات التركية، ما يعني أن استكمال مسيرة المصالحة السورية-التركية له حسابات تتعلق بمعرفة هوية الفائز في الانتخابات التركية.
هنا تتجه الأنظار إلى الدور الذي تقوم به موسكو، وبقاء مصالحها مع تركيا، والسؤال: هل ستُقنع موسكو دمشق بأن ثمة معطيات توحي بفوز حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، وبالتالي لا بد من اللقاء معه لإتمام المصالحة قبل موعد الانتخابات؟
في الواقع، بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات التركية، فإن قطار العلاقة بين دمشق وأنقرة يتجه إلى طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة بينهما.