سقوط المفاهيم الكلاسيكية لسياسة القوة
رغم التساوي في السيادة "تقريبا" لجميع دول العالم المعترف بها، فإن هناك انعداما في المساواة بين اللاعبين الدوليين.
هنا تتعادل الكفة على الورق في أروقة الأمم المتحدة، فيما تنعدم المساواة بين اللاعبين الكبار تماما، فهذا عالم أول، وذلك عالم ثالث متأخر، في تقسيم يجد من التفسيرات ما يثير العجب والغرابة، كيف لا والعالم لا يزال يعيش آثار الحروب العالمية الأولى والثانية، والحرب الباردة والحرب على الإرهاب، وغيرها من الحروب والأحداث التي شكلت النظام الدولي وأعادت رسم الخارطة في كل العالم فيما عُرف بـ"القوى العظمى"، التي ظلت إلى عهد قريب تمارس الهيمنة المطلقة في القرارات الدولية؟
النظام الدولي، الذي يعمل بشكل مقفَل ولا يمكن تغييره أو التعديل عليه، إلا إذ خلف ذلك تهديدا بانهياره المريع، الذي يمكن أن ينتج حروبا طاحنة، أكد أن مرحلة الاستعمار انتهت لتحل محلها مرحلة الهرمية الدولية وفق المصالح الخاصة بكل الدول المنتصرة -أو التي كانت منتصرة يوما ما- بالتساوق مع الفوقية الثقافية ومقارنة البشرية بالنموذج الغربي، فهذا تقدمي، وهذا رجعي، باعتبار الغرب مركز الحضارة المتفوقة.
وقد أثبت ذلك النظام لعقود، وفي كثير من المواضع، قصوره في التعامل مع الإشكالات المتعلقة بالدول متوسطة القوة أو الصغيرة، ما نتج عنه زعزعة في الثقة ومحاولة التحرك ضمن نطاقات جديدة، حيث يؤكد ذلك النظام، الذي تقود دفته الدول الغربية، يوما بعد آخر، ازدواجية معاييره واختلاف قيمه رغم ادعاءات الوعي والديمقراطية، التي لم تطبق في التعامل مع الآخر، دولا ومجموعات.
أما اليوم، فنحن نشهد كثيرًا من التخبط للنظام الدولي ككل، في مرحلة ما بعد الثنائية القطبية، فسقوط المفاهيم الكلاسيكية لسياسة القوة في الحرب الأوكرانية وعودة الحروب والاضطرابات إلى القارة الأوروبية وزيادة الهجمات الإرهابية في كثير من الدول والتخلي الغريب لعدد من الدول عن دورها التاريخي في الدفاع والحفاظ على كل النظام الدولي، وغيرها من الأحداث، يجعل العالم في منعطف تاريخي وفراغ يتطلب إعادة النظر للنماذج القائمة دون تجاهلٍ وكأن شيئا لم يتغير، بنظرة شجاعة تدرك أهمية إعادة تشكيل العلاقات، حيث لا يمكن أن تحترم أمّة دون أن تفرض ذلك بطريقة واضحة.
والحقيقة أن شكل النظام الدولي يتغير، ومنطقتنا الخليجية ليست ببعيدة عن آثار ذلك التغيير، فالضعف والتخبط الأمريكي والغربي يفرض تغيرا في الخطط والاستراتيجيات في بناء المحاور، بناء على المصالح والقيم المشتركة، وإعادة التموضع لتخطي العقبات أو الحصول على فرص قد لا تتكرر، فالعلاقات الدولية تحكمها المصالح السياسية والتحالفات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية والثقافية والتحالفات العسكرية.