ديسانتيس.. هل يُضحي "كينيدي جديدا"؟
يصف كاتب السِّيَر والأكاديمي والمذيع البريطاني، نايجل هاميلتون، في مؤلفه العمدة "القياصرة الأمريكيون"، الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين، جون.أف. كينيدي، بأنه "آخر قياصرة أمريكا والرجل الذي بلغ لاحقا مستوى من العظمة رغم عدم إكماله فترته الرئاسية الأولى".
فقد مات كينيدي مغدورا، ولا يزال سر اغتياله راقدا في قاع الجُب الخاص بالدولة الأمريكية العميقة.
يتذكر الأمريكيون كينيدي اليوم، سيما أنهم في مواجهة انتخابات رئاسية إشكالية، يمكنها أن تؤثر في مستقبل الاتحاد الفيدرالي للجمهورية الأمريكية.
ليس سرا أن الصراع الانتخابي الرئاسي القادم حُكما سوف يجري غالب الأمر بأثر رجعي، تشوبه مشاعر الثأر، فهناك حتى الساعة مَن يعتبر أن بايدن والديمقراطيين قد "سرقوا" الانتخابات في 2020، ولهذا يصر الرئيس السابق ترامب على الترشح من جديد، وفي الجهة المقابلة، هناك تصريحات عديدة من جانب الرئيس بايدن تشي بأنه مقبلٌ بدوره على الترشح.
على أن حديث الوثائق الرئاسية، التي تم العثور عليها في المنازل والمكاتب الخاصة ببايدن وترامب ومايك بنس، تعطي انطباعا بأن هناك -من وراء الكواليس- مَن يود إزاحة الرجلين والبحث عن وجوه جديدة قادرة على تجديد شباب الأمة الأمريكية، واسترجاع الألق الأممي الذي طويلا تفاخرت به أمريكا باعتبارها "مدينة فوق جبل"، بالإضافة إلى منطلق "القدر الواضح"، الذي يدعوها لقيادة العالم بحسب الفكر الفوقي الأمريكي التقليدي.
هل هناك اليوم على الساحة الأمريكية رموز جمهورية وديمقراطية يمكنها القيام بمثل هذا الدور؟
أحد أكثر الوجوه الجمهورية الشابة إشراقا، حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، والذي تُظهره الكثير من الميديا الأمريكية على أنه "نموذج معاصر لكينيدي"، وبخاصة أنه قريب الشبه، وتُضفي عليه زوجته الشابة وأطفاله الصغار مقاربة كبرى مع الرئيس الراحل.
في آخر انتخابات فاز ديسانتيس كحاكم لولاية فلوريدا للمرة الثانية بفارق نحو مليونَي صوت، الأمر الذي سلط أضواء الجمهوريين عليه بشكل مبكر، كما أن استطلاعات الرأي تُظهره مقاربا جدا لترامب، وفي أحيان أُخرى متقدما عليه.
المصادر المقربة من ديسانتيس تقول إن الحاكم الجمهوري الشاب على بعد خطوات من إعلان ترشحه لنيل ثقة الحزب الجمهوري، بهدف خوض انتخابات الرئاسة القادمة.
المثير في مشهد ديسانتيس أن من قدّمه للحياة السياسية وفتح له نافذة الوصول إلى وضعه الحالي هو الرئيس السابق ترامب، ولهذا يعتبر الأخير أن ترشح ديسانتيس أمر يمثل طعنة في ظهره، وعدم وفاء وولاء له، ولهذا بدأ ترامب حملة عكسية للبحث عن المثالب القائمة والقادمة في حياة حاكم فلوريدا، عله يجد كعب أخيل، ما يجبره على الانسحاب سريعا، قبل أن يشاطر ترامب أو يزاحمه في فرص الترشح ثانية.
لماذا يرى الكثير من الأمريكيين، وليس الجمهوريين فحسب، أن ديسانتيس، هو طبعة أو نسخة عصرانية من كينيدي، وبخاصة ما يتعلق بما هو أبعد من مجرد وسامة الشكل أو ترابط العائلة؟
يظهر ديسانتيس على سطح الحياة السياسية الأمريكية كأحد نبلاء العصور الوسطى الأوروبية، فهو مترفّع عن المعارك الصغيرة، وبعيد عن دائرة المؤامرات الجانبية، السرية منها والعلنية، وجُل جهوده مخصصة ومكرسة لخدمة الأمريكيين، وتغيير واقع حالهم.
تصفه وسائل الإعلام الأمريكية بأنه "نموذج فريد من الجمع بين الجانبين الأكاديمي، وممارسة الحياة العملية".
في عام 1978 ولد ديسانتيس في مدينة جاسكون فيل بولاية فلوريدا، لأسرة إيطالية الجذور، ومن التطابقات مع كينيدي، أنه كاثوليكي المذهب أيضا.
تخرج في جامعة "ييل" العريقة في قسم التاريخ عام 2001، وتاليا حاز درجة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد، التي لا تقل عراقة.
السيرة الذاتية لديسانتيس تحظى باحترام الشعب الأمريكي، جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين، فالشاب، خريج أمهات الجامعات الأمريكية، هو عينه الذي خدم في القوات المسلحة الأمريكية، ومن شجاعته وإقدامه حصل على النجمة البرونزية، ما يعني أنه سيجد حظوة في أعين المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، الحاكم الفعلي للداخل الأمريكي.
عقب الفوز الكبير والأخير بحاكمية ولاية فلوريدا، وخلال الحفل الذي أقامه في مدينة تامبا بلفوريدا، صرح ديسانتيس بكلمات يفهم منها اللبيب أنها إشارات قادمة لمسيرته.
"نحن لم نفز فقط في الانتخابات، بل أعدنا كتابة الخريطة السياسية"..
هكذا تكلم الرجل.. هل يمكن أن يفهم الأمريكيون هذه الكلمات على أنها برنامج سياسي لقيادة أمريكا بهدوء ودون عنتريات أو ذهنيات غائبة، كما الحال عند آخرين؟
يحظى ديسانتيس بدعم من كبار المتبرعين للحزب الجمهوري، مثل الملياردير كين غريفين، وبتأييد روبرت مردوخ، صاحب الإمبراطورية الإعلامية، والذي يراه بأنه "الأمل العظيم للجمهوريين".
هل ديسانتيس كينيدي جديد؟.. سنرى!