أبواب العرب تُفتح لدمشق
ضاعف الزلزال المدمر وضع الشعب السوري حرجا، بوفاة نحو 6 آلاف وتأثر نحو 7 ملايين بتبعاته، بشكل مباشر أو غير مباشر، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، لتضع المجتمع السوري في أزمة إنسانية هائلة.
لكن في الوقت نفسه حمل الزلزال تداعيات إنسانية كبيرة، فقد خلق مقاربات سياسية جديدة للتعامل مع الملف السوري، استطاعت تحريك المياه الراكدة ووضع الخلافات السياسية جانبا، لتجد بعض الدول العربية الظرف الإنساني فرصة مواتية للانفتاح أكثر مع دمشق، لتصل الطائرات الإغاثية إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.
فور وقوع الكارثة طلبت سوريا المساعدة العاجلة من الأمم المتحدة، ومن الاتحاد الأوروبي عبر "آلية الحماية المدنية" المرتبطة بالدول التي تعاني كوارث ولا تستطيع مواجهتها، ما جعل إدارة بايدن تجمّد العقوبات المفروضة على سوريا لمدة ستة أشهر لأغراض إنسانية، ما يعكس مرونة دولية يمكن البناء عليها مستقبلا، لوضع تفاهمات سياسية تحرك الجمود الدولي السائد في الملف السوري.
ونجحت الحكومة السورية في طرح نفسها كطرف رئيسي في تنسيق المساعدات الإنسانية التي تصل إلى سوريا، مع مختلف الدول والجهات الأممية والإنسانية، ما أعادها للتواصل مع العالم الخارجي عبر بوابة "الإنسانية"، في استراتيجية موفقة ابتعدت عن الخوض في تفاصيل الملف السوري، ما رفع الحرج عن العديد من الدول لإعادة التواصل بشكل مباشر مع دمشق، التي بدورها وجهت رسائل ترحيبية بالتفاعل العربي معها، تضمنتها زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى سلطنة عُمان، والتي تعتبر الثانية من نوعها بعد زيارة دولة الإمارات.
وشكّلت زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى سوريا، انعطافة إيجابية في العلاقات بين البلدين، جعلت الأزمة الإنسانية مدخلا لتطوير العلاقات، وبرغم أن مصر أبقت الأبواب مواربة عبر الاتصالات الأمنية، ولكن التحرك الدبلوماسي الأخير يصعد بالعلاقات بين دمشق والقاهرة إلى المستوى السياسي، تمهيدا لدعم مصري يسرع من عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.
وحظيت زيارة الوفد البرلماني العربي من 8 دول عربية، لأول مرة منذ تجميد عضوية سوريا عام 2011، بترحيب كبير من الجانب السوري، ما يعكس دفعة سياسية إضافية، إيذانا بعودة دمشق إلى نسيجها العربي الطبيعي، بما فيها مؤسسات الجامعة العربية، لتفتح أبواب العرب، ويتحول الحراك الإنساني إلى حراك سياسي عبر الاتحاد البرلماني العربي.
ويُحسب لدولة الإمارات اتخاذها خطوات استباقية في إعادة العلاقات مع سوريا، منذ إعادة فتح سفارتها بدمشق عام 2018، دعما من الإمارات لسوريا وتحسين ظروف شعبها، ما قدم حافزا عربيا لإعادة النظر في التعامل مع الأزمة السورية، والانفتاح بشكل أكبر على دمشق، ومهد الطريق لعدة اتصالات وزيارات عربية باتت واضحة جدا بعد كارثة الزلزال، التي شهدت مساعدات إغاثية كبيرة ومستمرة إلى الآن، مقدمة من 26 دولة، وعشرات الطائرات تصدرت بها دولة الإمارات قائمة الدول الأكثر إسهاما بالمساعدات الإنسانية، ما أعاد إلى الأذهان الوضع االصعب الذي يعيشه السوريون، وأعطى الدافع لإنهاء عزلة سوريا عن محيطها العربي، مع ضرورة عدم ترك الفراغ لأجندات قوى خارجية، تهدف لفرض هيمنتها ونفوذها على حساب أمن واستقرار الشعب السوري.
ستستمر التبعات الإنسانية، التي خلفها الدمار الكبير لزلزال فبراير فترة طويلة، في ظل استمرار الأزمة السورية وعدم قدرة سوريا على إعادة الإعمار، وانعدام وجود آليات واضحة لدعم الاقتصاد السوري، ما سيزيد حاجة الشعب السوري إلى المساعدات العاجلة، ما يستدعي الانفتاح العربي العاجل، لوضع مسارات تستهدف عودة السفراء العرب إلى دمشق واستعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية، مع وضع مصلحة السوريين في صدارة أولويات واهتمامات القادة العرب، لطيّ صفحة الألم والمعاناة وفتح صفحات التنمية والازهار.