أسعار العملات

دولار / شيكل 3.29
دينار / شيكل 4.64
جنيه مصري / شيكل 0.21
ريال سعودي / شيكل 0.88
يورو / شيكل 3.92
حالة الطقس

القدس / فلسطين

الجمعة 20.24 C

أزمة أوكرانيا وصراع السرديات: هل يكون 2023 عام الحسم؟

أزمة أوكرانيا وصراع السرديات: هل يكون 2023 عام الحسم؟

أزمة أوكرانيا وصراع السرديات: هل يكون 2023 عام الحسم؟

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

أزمة أوكرانيا وصراع السرديات: هل يكون 2023 عام الحسم؟، مرت الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب الأوكرانية-الروسية وطرفاها المباشران، الأوكرانيون والروس٬ ما يزالان يخوضان صراعهما المتعلق بكيفية تأطير قصة هذه الحرب قانونياً واخلاقياً ولوم الطرف الآخر عليها. هذا التأطير جزء من كسب هذه الحرب بالمعنى المادي للكلمة.

في حديثه ترحيباً بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المفاجئة والقصيرة، نحو ست ساعات، لعاصمة بلده كييف٬ تحدث الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بثقة عن سبب الحرب وسبل إنهائها، مستنداً على وقوف الغرب مع أوكرانيا حتى تحقيق الانتصار العسكري النهائي: "نأمل أن تصبح هذه السنة، 2023، سنة النصر. إن هذه الحرب غير المبررة والعدوانية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا وضد العالم بأجمعه والعالم الديموقراطي ينبغي ان تنتهي بتحرير كل أراضي أوكرانيا من الاحتلال الروسي والحصول على ضمانات رصينة وطويلة المدى بخصوص أمننا كبلد فضلاً عن أمن أوروبا والعالم أجمع. الآن في أوكرانيا يتقرر مصير النظام الدولي".

أزمة أوكرانيا وصراع السرديات: هل يكون 2023 عام الحسم؟

كما يظهر من كلمات زيلينسكي هذه٬ يركز الخطاب الأوكراني على ثلاث حجج أساسية ومترابطة: الأولى هو أن شن الحرب بمعناها القانوني المتعارف عليه دولياً كان فعلاً روسياً عندما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قوات بلاده بشن "عملية عسكرية خاصة" في فبراير/شباط العام الماضي لاجتياح جارته الغربية الأصغر حجماً بكثير٬ أوكرانيا. بالتالي فإن روسيا هي البلد المعتدي حسب القانون الدولي. الثاني هو أن الاعتداء الروسي يمثل تهديداً لأوروبا وتجربتها الديموقراطية٬ لأن انتصار روسيا في أوكرانيا سيحول دول أوروبا الاخرى٬ خصوصاً في أوروبا الشرقية التي انسلخت من الاتحاد السوفياتي السابق٬ كليتوانيا واستونيا ولاتفيا٬ أو كانت واقعة ضمن منظومته الأيديولوجية الشيوعية كبولندا ورومانيا وبلغاريا٬ إلى أهداف تالية للتمدد الروسي.

في الحقيقة٬ هذه الحجة هي الأقوى في حصول أوكرانيا على دعم جيرانها القريبين خصوصاً بولندا ورومانيا وبلغاريا وإستونيا عسكرياً ولوجستياً ودبلوماسياً وهو الدعم الذي كان حاسماً في الاشهر الاولى من الحرب في تمكين أوكرانيا من صد التقدم الروسي نحو كييف. أما الحجة الثالثة فهي الدفاع عن الديموقراطية وبالتالي عن "العالم الحر" بمعنى نهاية هذا العالم إذا خسرت أوكرانيا الحرب. هذه الحجة مبالغ بها كثيراً وفيها طابع دعائي واضح لكنها مؤثرة في كثير من الأوساط الإعلامية والشعبية والسياسية الغربية وتظهر في بعض خطابات بايدن. خارج الغرب هذه الحجة غير مؤثرة بل تثير ارتياباً بالدعم الغربي لأوكرانيا يدفع الكثيرين الى فهم هذه الحرب٬ على نحو مؤامرتي معتاد٬ على أنها حرب وكالة تخوضها أوكرانيا ضد روسيا نيابةً عن الغرب! تبقى حجة أوكرانيا الأقوى قانونية الطابع٬ إذ هي حجة بسيطة وواضحة ومباشرة ولا يمكن الالتفاف عليها عبر تفسير النوايا التي يبدع البعض فيها كي يعفي روسيا من حقيقة خرقها القانون الدولي وشنها اعتداء على بلد آخر.

على الجانب الآخر٬ تُقدم روسيا حججاً مختلفة تماماً عن الحجج الأوكرانية لتبرير الحرب ومواصلتها. قال بوتين في خطابه بقرب حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب:

"في العام الفائت، من أجل حماية أراضينا التاريخية ولضمان أمن بلدنا وإزالة التهديد الذي يمثله النظام النازي الجديد الذي سيطر على أوكرانيا بعد انقلاب عام 2014، أُتخذ القرار للبدء بالعملية العسكرية الخاصة. خطوةً بعد خطوة٬ بعناية وانسجام، سنتعامل مع المهمات التي تواجهنا. منذ 2014 يُقاتل أهل الدونباس من أجل حقهم في العيش في أرضهم والتحدث بلغتهم الأصلية. قاتلت الدونباس ولم تستسلم أبداً وسط الحصار والقصف المستمر والكره المعلن من نظام كييف. كانت الدونباس تأمل وتنتظر أن تهب روسيا لنجدتها".

جاءت "النجدة" بشن الاجتياح في فبراير العام الماضي. ما يقوله بوتين هنا يمثل السردية الروسية الرسمية للأحداث وهي السردية التي يختلف معها الأوكرانيون بشدة٬ بالكثير من الغضب احياناً٬ لأنهم يعتبرونها تشويهاً سافراً للأحداث. فما تعتبره روسيا انقلاب 2014 النازي وتتهم الغرب بتدبيره يعتبره الأوكرانيون ثورتهم الشعبية التي يطلقون عليها "ثورة الميدان" وأطاحوا عبرها بحكومة موالية لروسيا فَرَّ رئيسها٬ فكتور يانوكيفش، إلى موسكو لينعت من هناك ما حصل بانه انقلاب ضد الشرعية٬ رغم أن البرلمان الأوكراني صَوَّتَ بأغلبية كبيرة على إقالته من منصبه. ظلت روسيا تعتبره الرئيس الشرعي للبلاد وتقول إنه طلب منها رسميا التدخل عسكرياً لاستعادة النظام في بلده. في الأيام نفسها ألغى البرلمان قانوناً خلافياً للغة شُرِّعَ في عام 2012 ونَصَّ على استخدام لغات غير الاوكرانية في مؤسسات الدولة في المناطق التي تشكل فيها مجموعة أثنية معينة أكثر من 10 بالمئة من السكان (خالف القانون نصاً دستورياً بشأن اعتبار الأوكرانية اللغة الرسمية في البلد وبقي هذا القانون خلافياً الى أن أطاحت به المحكمة الدستورية الأوكرانية في 2018). عنى هذا القانون استخدام الروسية كلغة رسمية في إقليم الدونباس بسبب وجود أقلية أثنية روسية كبيرة فيه تصل لنحو 40 بالمئة من السكان حسب آخر إحصاء سكاني أوكراني في 2001. الغاء البرلمان للقانون لم يكن يعني منع هؤلاء الروس من استخدام لغتهم الأم وإنما فقط إيقاف استخدامها في مؤسسات الدولة في الإقليم٬ لكن في الخطاب الروسي كان الأمر يُصور على نحو مختلف. أما الحصار والقصف فهو يشير إلى القتال في الإقليم بين المجاميع المسلحة الأوكرانية والاخرى الروسية التي سيطرت على الإقليم بدعم روسي بعد الإطاحة الشعبية والبرلمانية بحكومة يانوكفيش.

تتلخص الحجج الروسية القائمة على هذه السردية باستدعاء التاريخ والأخلاق في سياق مواجهة أوسع مع الغرب التي قبلت أوكرانيا أن تكون أداته الموجهة عمداً ضد روسيا. رَكَزَ معظم خطاب بوتين الذي استمر نحو ساعة وخمسين دقيقة على كراهية الغرب المفترضة لروسيا وسعيه المستمر لتفكيكها كدولة وتدميرها كثقافة. الأضعف في الحجج الروسية هو الجانب القانوني فمن الصعب قانونياً تبرير قيام روسيا في 2014 باحتلال ثم الحاق شبه جزيرة القرم وقسم من إقليم الدونباس ثم القيام باجتياح آخر وأوسع في 2022 لتلوم في آخر المطاف أوكرانيا والغرب على شن هذه الحرب.

في آخر المطاف٬ ما سيحسم هذه الحرب ليست الحجج القانونية والتاريخية والأخلاقية٬ وإنما القوة العسكرية والقدرات التكنولوجية فضلاً عن الضغوط الاقتصادية. حظوظ أوكرانيا أعلى بهذا الصدد٬ خصوصاً بعد الموافقة الغربية على تزويدها بأسلحة ثقيلة كالدبابات وصواريخ أطول مدى٬ وصولاً إلى الاحتمالات المتصاعدة بان تنضم لهذه الاسلحة طائرات حربية متطورة. بالمقابل٬ لا تحصل روسيا على دعم عسكري مُعتبر من طرف خارجي وبالتالي سيكون عليها الاعتماد على ترسانتها الحربية الضخمة الآخذة في التناقص السريع نسبياً٬ رغم سعي المصانع العسكرية الروسية تعويض هذا النقص. يواجه هذا السعي ايضاً صعوبات تقنية بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية وحظر بيع الكثير من المواد الداخلة في الصناعة الحربية للشركات الروسية.

كانت خلاصة خطاب بايدن وزيارته لكييف هي التالية: سنقف معكم حتى تحققون النصر! هذا ينبغي أن يكون ما يقلق روسيا وليس سرديات كراهية الغرب لها!

اقرأ أيضا