نظرية المسؤولية الاجتماعية
فكرة قديمة جديدة مضى على ظهورها قرن من الزمان، حيث ورد مصطلح "المسؤولية الاجتماعية" لأول مرة عام 1923م.
جاء ذلك حين أشار أوليفر شيلدون إلى أن مسؤولية الإدارة مجتمعية إنسانية ناتجة عن رقابتها على البشر، وليس من خلال مسؤوليتها عن تطبيق الإجراءات الفنية في العمل.
وبالتالي فإن للإدارة مسؤوليتين:
مسؤولية أمام العنصر الإنساني في الصناعة أو مجال العمل، أي تجاه العاملين، ومسؤولية أمام العنصر الإنساني، الذي تخدمه الصناعة، أي مسؤولية تجاه المجتمع.. وأن مسؤولية أي منظمة هي بالدرجة الأولى مسؤولية اجتماعية، وأن بقاء أي منظمة واستمرارها يُحتّم عليها أن تلتزم مسؤوليتها الاجتماعية عند أدائها وظائفها المختلفة.
وفي عام 1953م صدر كتاب هوارد بوين بعنوان: "المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال"، حيث لقي المفهوم اهتماما من قبل الباحثين والأكاديميين والمنظمات الدولية، وذلك نظرا للتأثير الذي يمكن أن تحدثه المؤسسة المجتمعية لقطاع الأعمال في محيطها الداخلي والخارجي عبر التأثير في سلوك مختلف المتعاملين معها.
وتشمل المسؤولية المجتمعية بمفهومها الواسع والشامل التزام تحقيق التوازن بين أطراف متعددة، لكنها مترابطة، تشتمل على مصالح وحاجات كل من المنظمات الإنتاجية والعاملين فيها والبيئة الخارجية، والمجتمع.
وفي عام 1975 صك إلياس وابستن مصطلح المسؤولة الاجتماعية لقطاع الأعمال Corporate Social Responsibility والذي يتم اختصاره بـCSR، حيث تم تعريفها بأنها "الأعمال التي تقوم بها شركات ومؤسسات قطاع الأعمال لخدمة المجتمع وتحقيق رفاهية الفئات الضعيفة والفقيرة فيه، وكذلك الأنشطة والخدمات التي تقدمها للمجتمع من خلال دعم وتطوير المرافق العامة والخدمات المجتمعية".
وهنا يُقصد بالمسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال أن يقوم هذا القطاع بالأعمال الخيرية والاستثمار في المجتمع المحلي.. وهذا يعني توجيه الأموال النقدية والموارد إلى الأنشـطة التي تؤدي إلى إيجاد الوظائف، وتوليد الدخل في المجتمع المحلي، مثل التدريب بغـرض الإعداد للتوظيف، وتوفير السكن بتكلفة معقولة، وتطوير وتوسيع مؤسسات الأعمال التجارية الصغيرة، والإنعاش الاقتصادي، والاستثمار في تعليم الشباب، أو تعزيز الظروف الصحية للشـباب في المجـتمع المحلي.
وتقوم الشركات بهذه الأنشطة من خلال التبرع للمنظمات المعنية بتطوير المجتمع المحلي، وبالشراكة مع المنظمات غير الربحية والإسهام في برامج الإنعاش الاقتصادي.
ومن ناحية أخرى أخذت نظرية المسؤولية الاجتماعية معنى ودلالة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي تقرير نُشر عام 1947 بواسطة لجنة "هوتشينز"، التي جمعت 13 مفكرا وأستاذا وخبيرا من مجالات عدة منها: الاقتصاد، القانون، الفلسفة، السياسة، الأنثروبولوجي، التاريخ.. وقد خلصت اللجنة إلى وضع ضوابط أخلاقية للصحافة، وذلك للتوفيق بين حرية الصحافة وبين المسؤولية الاجتماعية في المجتمعات الليبرالية، فالالتزام تجاه المجتمع يكون من خلال وضع مستويات مهنية للصدق والموضوعية والتوازن، وتجنب أي شيء يؤدي إلى الجريمة والعنف والفوضى.
فبعد أن تعرضت نظرية الحرية لكثير من الانتقادات كان لا بد من ظهور نظرية جديدة في الساحة الإعلامية، حيث ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية نظرية المسؤولية الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم على ممارسة العملية الإعلامية بحرية قائمة على المسؤولية الاجتماعية، وظهرت القواعد والقوانين التي تجعل الرأي العام رقيبا على آداب المهنة، وذلك بعد أن استُخدمت وسائل الإعلام في الإثارة، والخوض في أخبار الجنس والجريمة، ما أدى إلى إساءة استخدام مفهوم الحرية.
ويرى أصحاب هذه النظرية أن الحرية حق وواجب ومسؤولية في الوقت نفسه، ومن هنا يجب أن تقبل وسائل الإعلام القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع، ويمكنها القيام بهذه الالتزامات عبر وضع مستويات أو معايير مهنية للإعلام مثل الصدق والموضوعية والتوازن والدقة، وهنا يجب على وسائل الإعلام في إطار قبولها هذه الالتزامات أن تتولى تنظيم أمورها ذاتيا في إطار القانون والمؤسسات القائمة، كما أن للجمهور العام الحق في أن يتوقع من وسائل الإعلام مستويات أداء معينة، وأن التدخل في شؤون وسائل الإعلام يمكن أن يكون مبررًا لتحقيق هذه المصلحة العامة، كما أن الإعلاميين يجب أن يكونوا مسؤولين أمام المجتمع، بالإضافة إلى مسؤولياتهم أمام مؤسساتهم الإعلامية.
في هذه اللحظة التاريخية تحتاج المجتمعات العربية إلى تفعيل نظرية المسؤولية الاجتماعية على الجانبين، حيث ينبغي أن يتحرك قطاع الأعمال سريعا للقيام بمسؤولياته تجاه المجتمع والإسهام في تحقيق التنمية المحلية، خصوصا في مجالات الصحة والتعليم ودعم الطبقات الفقيرة، وفي الوقت نفسه لا بد أن تدرك المؤسسات الإعلامية طبيعة مسؤولياتها الاجتماعية وتقوم بتنوير المجتمع، وليس إغراقه في السطحيات والسلوكيات السلبية.