هل زيارات أمريكا للمنطقة تستدرك أخطاءها؟
كانت السمة الأبرز في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة هي: الوضوح والثبات.. لذا كانت تحظى أمريكا بتأييد وتفاهم أغلب دول المنطقة، خصوصا الدول العربية.
غير أن السنوات الأخيرة، خاصة عام 2015، بدأت تشهد تغيرا ملموسا في السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام.. إذ لم يقف التغير الأمريكي تجاه الشرق الأوسط على تراجع الاهتمام بقضايا المنطقة وتطوراتها لصالح "الاتجاه" شرقا والاهتمام بالصين والتحديات المرتبطة بها أمام المصالح الأمريكية، وإنما حدث تغير مؤثر وملحوظ في مضمون وأداء سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط.. بحيث صارت التحركات الأمريكية في المنطقة تجري بشكل شبه أحادي، أي بمعزل عن معطيات الواقع ومتطلبات دول المنطقة، بما في ذلك التهديدات والتحديات التي تواجهها، وكذلك الأهداف والمصالح، وبالتالي الحسابات والمواقف والتحركات.
في العقود الماضية، كانت المسافة الفاصلة بين الرؤى والتحركات الأمريكية في جانب، والواقع الإقليمي في الجانب الآخر، واضحة بصفة خاصة، وربما محصورة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأسلوب إدارتها وطريقة التعامل مع تطوراتها.
أما في السنوات القليلة الماضية، فقد انضمت ملفات أخرى إلى قائمة التباين واختلاف وجهات النظر بين واشنطن ودول المنطقة.
ومن أهم هذه الملفات موقف الإدارة الأمريكية تجاه تنظيم "الإخوان الإرهابي" أيام الفوضى، التي كانت تسمى "الربيع العربي".
مناسبة هذا الحديث أن المنطقة شهدت خلال الأسابيع الماضية سلسلة تحركات أمريكية، شملت زيارات إلى الشرق الأوسط قام بها مسؤولون كبار منهم وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، ومدير الاستخبارات، وليام بيرنز.
وكانت أجندات هذه الجولات متشابهة وتكاد تتطابق في ملفاتها وأولوياتها: إيران، أمن إسرائيل، التعاون الإقليمي، تأمين مواقف الحلفاء لمساندة أوكرانيا.
وأمس، اختتم وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، جولة إقليمية استغرقت ثلاثة أيام، شملت الأردن وإسرائيل ومصر.
وكما هو حال الجولات السابقة، كان على رأس أولويات الجولة التهديد النووي وكيفية مواجهته.. وفي كل هذه التحركات الأمريكية الجديدة، لا تأتي واشنطن بجديد في مساعيها، سواء بتعامل مختلف مع إيران أو بتسوية القضية الفلسطينية، أو حتى بتوفير أمن حقيقي ومستدام لإسرائيل.
والسبب أن واشنطن تعتمد على الرؤى والتقديرات الأمريكية وحدها.. ولم تتغير هذه الأحادية في القرار، لا في عهد إدارة ترامب الجمهورية، ولا في إدارتَي أوباما وبايدن الديمقراطيتين.
لذا فلا عقوبات ترامب واتفاق أوباما ولا مفاوضات بايدن نجحت في تقييد الأنشطة النووية تماما كما أخفقت الإدارات المتعاقبة في تسوية القضية الفلسطينية أو تحقيق الهدوء الإقليمي المطلوب.
معالجة ملفات المنطقة تحتاج من الإدارة الأمريكية إلى الاستعانة بوجهة نظر أصحاب المنطقة وبخبرة وتجارب الدول العربية.
وتأتي دول مجلس التعاون الخليجي على رأس الدول المعنية بهذه الملفات والقادرة على طرح أفكار خلاقة، وبلورة حلول عملية وفعالة ومختلفة عن السابقة التي فشلت مرارا وتَكرارا.
فلو كانت إدارة أوباما قد قبلت مشاركة دول الخليج في مفاوضات الاتفاق النووي في 2015، لما خرج بالصورة التي دفعت ترامب لاحقا للانسحاب منه.. ولو أن واشنطن استعانت بدول الخليج في المفاوضات النووية الجارية، لربما تغير مسارها في اتجاه أكثر واقعية وجدية، سواء نحو إحياء الاتفاق أو إنهائه.. وينطبق الشيء نفسه على مختلف الملفات الإقليمية، التي على واشنطن أن تستمع للأصوات الإقليمية فيها، فأهل المنطقة أدرى بشعابها.