الترحيل لوقف "هجرة القوارب"
قانون جديد أعدته الحكومة البريطانية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، فحوى القانون الجديد باختصار: مَن يصل إلى البلاد بطريقة غير قانونية لن يتمكن من البقاء، ولا التقدم بطلب لجوء فيها.. سيتم ترحيله إلى موطنه، أو المكان الذي قدم منه، أو وجهة ثالثة آمنة، دون أي حق بدخول المملكة المتحدة ثانية أو الشكوى إلى القضاء المحلي أو الأوروبي.
الحكومة تعد القانون كخطوة على طريق الوفاء بوعدها في وقف "هجرة القوارب"، ورئيس الوزراء مستعد لخوض أعتى المعارك من أجل إقرار القانون وإغلاق صُداع "بحر المانش" المتواصل منذ عامين.. أي منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وفِقدان حق إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى الضفة الفرنسية.
المعارضة تقول إن التشريع الجديد "ليس عمليا ولا يمكن تنفيذه على أرض الواقع".. أما البديل من وجهة نظر زعيم حزب العمال كير ستارمر، فهو إبرام اتفاق مع باريس لمنع الهجرة من الشواطئ الفرنسية، والسماح للندن بإعادة مَن تطأ قدماه السواحل الإنجليزية دون أي موافقات قانونية، أو أي مبررات حقوقية للبقاء في البلاد.
ترى المعارضة أيضا أن حزب المحافظين الحاكم "أضرّ كثيرا بعلاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست".. وهذا الضرر يصعّب إبرام أي اتفاق بين لندن وبروكسل.
ولكن رئيس الوزراء ريشي سوناك لن يعترف بهذا العجز، خاصة بعد أن نجح في تعديل بروتوكول أيرلندا الشمالية في اتفاق الخروج منذ أيام.
ستارمر يريد من البريطانيين الانتظار إلى حين فوز العمال في انتخابات 2024.. فحينها ستتحسن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتتجاوز تداعيات "طلاق" لندن وبروكسل.. وبالتالي يمكن إبرام اتفاق لإعادة "هجرة القوارب" إلى فرنسا.. ولكن هل يمكن للخزينة تحمل الكلفة الباهظة لإقامة ورعاية المهاجرين حتى ذلك الوقت.
تقول وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، إن المهاجرين غير الشرعيين يضعون المملكة المتحدة تحت ضغط شديد.. حيث يتكلف دافعو الضرائب نحو 4 ملايين جنيه إسترليني يوميا، من أجل إطعام وإسكان 45 ألف مهاجر وصلوا العام الماضي إلى المملكة المتحدة، وتقدموا بطلبات لجوء فيها هربا من الموت أو الفقر أو التمييز في بلادهم.
تقول برافرمان إن القانون الجديد يتيح للحكومة احتجاز الذين يصلون إلى البلاد بطريقة غير قانونية، ثم ترحيلهم في أقل من شهر، باستثناء من تقل أعمارهم عن 18 عاما، والمرضى الذين قد تتعرض حياتهم إلى الخطر نتيجة الترحيل.. وبالتالي "لا يخالف التشريع حقوق الإنسان أو الاتفاقات الدولية المعنية بهذا الشأن"، على حد تعبيرها.
الحكومة البريطانية في عهد رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، أبرمت مع دولة رواندا في أفريقيا اتفاقية لترحيل المهاجرين غير الشرعيين.. ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
ما أعاق تنفيذ "اتفاقية رواندا" قد يعيق أيضا تطبيق قانون "حظر وإبعاد المهاجرين" الجديد، حتى لو تمكنت الحكومة من تمريره عبر أكثريتها البرلمانية.
تلفت الحكومة إلى أن ما يزيد على 100 مليون شخص حول العالم مؤهلون للقدوم إلى المملكة المتحدة بشكل قانوني وآمن.. ولكن ذلك لن يكون متاحا إلا إنْ أُغلقت جميع أبواب الهجرة غير الشرعية.
وأقر القانون الجديد، "وقف الاتجار بالبشر واستعبادهم وابتزازهم ودفعهم إلى الموت مقابل المجهول"، كما يقول سوناك.
وتتوقع لجنة مختصة في البرلمان تصاعد الإنفاق الحكومي على المهاجرين الوافدين عبر بحر المانش أو غيره من القنوات غير الشرعية، إلى ما يزيد على 3 مليارات جنيه إسترليني خلال العام الجاري.. وهو ما يؤثر، ليس فقط في دافعي الضرائب بالداخل، وإنما أيضا في المساعدات الخارجية، التي تقدمها بريطانيا إلى الدول الفقيرة سنويا.
وتقول لجنة التنمية والمساعدات الدولية في مجلس العموم البريطاني، إن كلفة الهجرة غير الشرعية قد تجاوزت مليار جنيه إسترليني العام الماضي، وهذا يمثل نحو 10% من ميزانية المساعدات الخارجية البريطانية لذلك العام.
أما تقديرات مركز التنمية العالمية فتتوقع أن يرتفع الإنفاق الحكومي على اللاجئين والمهاجرين في الداخل إلى 4.5 مليار جنيه إسترليني خلال العام المقبل، ليشكل ثلث ميزانية المساعدات المقررة للدول الفقيرة من الناتج المحلي.
ثمة مَن يعتقد أن الحكومة طرحت القانون الجديد بغرض الدعاية السياسية فقط، بعد أن فشلت مرات عدة في وقف "هجرة القوارب".. ولكن سوناك يستعد لزيارة باريس نهاية هذا الأسبوع لعقد قمة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عنوانها الأبرز والأكثر إلحاحا، هو معالجة أزمة الهجرة غير الشرعية إلى المملكة المتحدة.
سوناك مهّد للزيارة عبر القانون الجديد.. بعث برسالة مفادها أن بلاده تعتزم ترحيل المهاجرين غير الشرعيين مهما كانت الكلفة، وأيا كانت الوجهة.. وهو يعوّل على مرونة أوروبية مشابهة لما وجده في تعديل بروتوكول أيرلندا الشمالية في الاتفاق مع باريس.. ولكن الرئيس الفرنسي لن يكون سخيًّا إلى حد وهب سوناك علاجا دون مقابل.
قبل أشهر، تمكنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من وقف أول طائرة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين كانت تستعد للإقلاع من لندن إلى رواندا.. ورغم أن القضاء البريطاني حكم لاحقا بشرعية الخطوة الحكومية في هذا الإطار، فإن خطط الترحيل إلى البلد الأفريقي لا تزال معطلة بسبب اعتراضات قانونية وتشريعية.
اليوم تحاول بريطانيا تحييد كل ما يمكن أن يمنع تنفيذ سياسة ترحيل المهاجرين، سواء في الداخل أو الخارج.
ومَن يعتقد أن العمال سيكونون أكثر رحمة من المحافظين في هذا الشأن، فعليه أن يتمعن في أعداد المهاجرين المرحّلين خلال النصف الأول من 2010، عندما كانت البلاد تُدار بحكومة عُمالية يرأسها جوردون براون.
حكومة براون أعادت قسرا 13 ألف مهاجر في ستة أشهر فقط، مقابل 2800 شخص أعادهم المحافظون في عام 2022.
السؤال هنا: هل الترحيل هو الخيار الأفضل للحزبين، أم أن الذين ركبوا الموت حتى وصلوا إلى الشواطئ الإنجليزية يستحقون فرصة جدية للعيش بعيدا عن دوائر الخوف الكثيرة التي دفعت بهم إلى المملكة المتحدة؟