الحراك الفضائي الإماراتي
وصلت دولة الإمارات إلى المركز العاشر عالميا، والأول إقليميا، ضمن المؤشر العالمي للقوة الناعمة، بحسب تصنيف مؤسسة "براند فاينانس".
وتدخل بذلك دولة الإمارات قائمة الدول المؤثرة تنمويا واقتصاديا وسياسيا وعلميا، بما فيها القطاع الفضائي، تزامنا مع رحلة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي التاريخية إلى الفضاء.
وأستذكر تهنئة تلقيتها من أحد الأصدقاء في كندا، يهنئني فيها بنجاح رحلة أول رائد فضاء إماراتي، مشيدا بدور الإمارات في البحث العلمي، وكم شعرت بالفخر والسعادة وأنا أصحّح معلومات صديقي الكندي، بأن هزاع المنصوري كان أول رائد فضاء إماراتي، بينما يعتبر سلطان النيادي ثاني رائد فضاء إماراتي خلال 4 سنوات، وتمتاز رحلته بأنها الأطول في تاريخ العرب، حيث سيقضي 6 أشهر في الفضاء، لو علمنا ان تجارب رواد الفضاء العرب السابقة كانت محدودة وقصيرة المدة، ما يعطي تجربة "النيادي" فرصة قيمة للخروج بتجارب علمية عميقة.
من هذا المنطلق نستطيع رصد تأثير دور دولة الإمارات العلمي في شعوب الدول المتقدمة، وكيف حصدت القيادة الإماراتية نتائج الاستثمار في الإنسان، عبر تسليحه بالعلم والمعرفة، ليسهم في مسيرة الدولة تنمويا، وهي ركيزة وضعها المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"، طيّب الله ثراه، ويسير على خطاها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، ما يساعد في إخراج أجيال استطاعت تحقيق نجاحات استثنائية في مجال علوم الفضاء.
لم تأت النجاحات الإماراتية في القطاع الفضائي من فراغ، فدولة الإمارات وضعت اقتصاد الفضاء ضمن أولوياتها الاستراتيجية، بحيث تحقق أهداف التنويع لاقتصاد الدولة، ولهذا تجاوز إجمالي الاستثمار في المشاريع الفضائية للدولة 22 مليار درهم، كما أطلقت دولة الإمارات صندوق الفضاء الوطني الهادف إلى تأهيل الكوادر الإماراتية ودعم البرامج الفضائية الوطنية، ما يعكس طموحا إماراتيا ليس له حدود، وبرعاية مباشرة من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ولعل الشاهد على ذلك تأسيس عدة مؤسسات وبرامج علمية، لا سيما "وكالة الإمارات للفضاء" و"مركز محمد بن راشد للفضاء"، ما يعكس استدامة البحث العلمي الفضائي.
لقد أثر الحراك الفضائي الإماراتي بشكل إيجابي في المنطقة العربية، وأصبح رواد الفضاء الإماراتيون نماذج ملهمة للشباب والأطفال، وأسهم إطلاق دولة الإمارات برنامج "نوابغ الفضاء العرب" في توسيع طموح الشباب العربي، عبر تأهيل المواهب العربية في علوم الفضاء، وتحفيزهم لبناء أوطانهم، ولعل الإسهامات الإماراتية استطاعت إلهام عدة دول عربية بدأت مؤخرا إطلاق برامج فضائية، ما سيعزز قدرات المنطقة في مجالات البحث العلمي، وسيضاعف الاقتصاد المعرفي، وينقل العرب من حالة سادها الإحباط إلى حالة إيجابية، يسودها الأمل والتفاؤل، لتحقيق مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.
لم يكن وصول رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى المحطة الدولية مهمة سهلة، بل تخلّله أكثر من 1400 ساعة تدريب خلال الخمس سنوات الماضية، صار بها مؤهلا للسير في الفضاء وإجراء عمليات فنية معقدة به، لتصل دولة الإمارات إلى المركز رقم 11 عالميا، ضمن الدول الفضائية بمهمات طويلة الأمد.
وسيشارك "النيادي"، الذي وصل إلى محطة الفضاء الدولية، عبر كبسولة تابعة لشركة "سبيس إكس"، بتجارب علمية تتجاوز 200 تجربة فضائية تكنولوجية منوعة، لينضم وزملاؤه إلى رواد الفضاء من "وكالة ناسا" الأمريكية، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية "جاكسا"، و"وكالة روسكوزموس" الروسية، وبتعاون مع وكالات الفضاء الكندية والفرنسية والأوروبية.
وتعمل دولة الإمارات وفق رؤى واستراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد، فحين يخرج سلطان النيادي ليتحدث عن أهداف جدوله المزدحم لمدة 180 يوما في الفضاء، فهو بذلك يحقق جزءا من رؤية الإمارات المستكشفة لأعماق الفضاء والملهمة للأجيال الحالية والقادمة، وهي ذاتها طموحات "زايد"، التي تحققت في واقع دولة الإمارات المعاصر، وأوصلت هزاع المنصوري من قبلُ إلى محطة الفضاء الدولية، وأرسلت "مسبار الأمل" إلى المريخ، ثم "المستكشف راشد" إلى سطح القمر.