مستقبل بايدن وأزمة الديمقراطيين
مستقبل بايدن وأزمة الديمقراطيين
إميل أمين
هل بات الديمقراطيون في أزمة جراء الإعلان الأخير، الخاص بالأحوال الصحية للرئيس بايدن؟
على الرغم من ارتفاع نسبة الموافقين على أداء بايدن بعد إلقائه خطاب حالة الاتحاد الأخير، فإن هناك شكوكا عميقة تختلج نفوس المنتمين للحزب، بسبب الحالة الصحية والذهنية للرئيس من جهة، وسياساته الخارجية، والمخاوف التي يمكن أن تنجم عنها من جهة ثانية.
في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، نشر "البيت الأبيض" تقريرا يفيد بأن نوعا من سرطان الجلد قد أصاب منطقة في صدر الرئيس بايدن، وأن الجزء المصاب قد تعرض للعلاج بالاستئصال الكهربائي، كما أن هذا النوع من سرطان الخلايا القاعدية "لا ينتشر".
الشاهد أن محاولات "البيت الأبيض" لطمأنة جموع الأمريكيين لا يمكن الارتكان إليها في المطلق، إذ يعلم المقربون كيف تُصاغ هذه البيانات، والطرق الملتوية التي يتم التعبير بها عن الحقائق، ما يفتح الباب أمام المخاوف من صحة الرئيس، الذي تعوزه الكلمات تارة، فيما يتفوه بما لا يلزم تارة أخرى.
في أواخر فبراير الماضي، وخلال لقاء متلفز مع شبكة ABC سُئل بايدن عما إذا كان يفكر في سِنّه عند اتخاذ قرار بشأن الترشح مرة أخرى، فرد بالنفي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه من "المشروع" أن تثير الناسَ مخاوف بشأن ذلك.
يحاجج بايدن بالرد على من يتساءل بأن "يشاهدني"، ناسيا، أو متناسيا، أن الذين يتابعونه عبر الشاشات قد روّعتهم أعداد سقوطه من على سلالم الطائرات وتعثره من فوق الدراجات، ناهيك بمشيته المقوسة وظهره المُنحني جراء التواء في العمود الفقري، ما يفيد بأن "المُشاهدة" هنا ليست في صالحه شكلا أو موضوعا.
هل كانت الحالة الجسمانية فقط كعب أخيل في ملف بايدن، ومن ورائها أزمة الديمقراطيين في الداخل الأمريكي؟
يبدو أن هناك مَن يتخوّف من التوجهات العقلية لبايدن، وهو ما عبرت عنه النائبة الجمهورية، نيكي هايلي، في خطابها لإعلان ترشحها للرئاسة لعام 2024، في وقت سابق من فبراير الماضي، حين أشارت بأنه يتوجب على أي شخص تجاوز سنُّه 75 عاما أن يخضع لاختبار الكفاءة العقلية.
لم يحسم بايدن أمر ترشحه من عدمه، ويترك الباب مواربا لكل الاحتمالات، ما ينعكس بالسلب على فرص الديمقراطيين للبقاء في "البيت الأبيض" أربع سنوات أخرى.
حين كان بايدن يلتقي أعضاء من مجلس الشيوخ من حزبه الديمقراطي، أوضح أنه باستثناء أي مفاجآت كبيرة، فإن السؤال لم يعد يتعلق بما إذا كان سيترشح مرة أخرى، بل متى سيعلن ترشحه.
على جانب السياسات الخارجية الأمريكية، لا يبدو بايدن في موقف يُحسد عليه، سيما بعد وقوف أمريكا عاجزة عن فعل شيء ما، بعدما انسحبت روسيا من معاهدة "نيو ستارت"، وبدت إدارته ضعيفة إلى حد عاجزة عن دفع سيد الكرمليين، فلاديمير بوتين، على تغيير موقفه، ما دفع كثيرين، جمهوريين وديمقراطيين، لاعتباره "رئيسا ضعيفا، يعتقد أعداؤنا أن بإمكانهم ترهيبه.
جانب آخر يخصم من رصيد بايدن الداخلي موصول بالأوضاع الاقتصادية ونسبة التضخم في البلاد.
فعلى الرغم من انخفاض نسبة التضخم من 6.5% إلى 6.4%، في ديسمبر ويناير الماضيين على التوالي، فإنه من غير المرجح تراجع وتيرة التضخم من جديد بالنسب نفسها، سيما أن ما جرى كان وراءه بيع إدارة بايدن النفط من الاحتياطي الاستراتيجي، ما قلَّل أسعار الوقود، ومع ذلك بقيت أسعار السلع الغذائية في حالة نمو، إضافة إلى ارتفاع إيجارات المساكن.
تبدو إدارة بايدن أمام مأزق حقيقي موصول بالمخاطر الجيوسياسية الخارجية، وحال تطلعت إلى الخلاص من حالة الهشاشة، التي باتت محدقة بها، بسبب العوامل الخارجية، فإن عليها أن تتحول هذا العام من بيع النفط إلى شرائه، وهذا سيقود إلى ارتفاع أسعار الوقود، ليكابد الأمريكيون عناء العيش.
على أن مشهدًا مثيرًا للغاية جرت به المقادير الأسبوع الماضي، وخلال المؤتمر السنوي للمحافظين الأمريكيين في العاصمة، واشنطن، تم فيه توجيه اللوم والتقريع لبايدن من قلب رموز لعبت يوما دورا مهما في ثنايا وحنايا الحزب الديمقراطي نفسه.
باختصار غير مُخل، علا صوت العضو الديمقراطي السابق في مجلس النواب، تولسي جابارد، المرشحة الرئاسية السابقة عن الديمقراطيين، موجهة الاتهام لبايدن وتحميله مسؤولية دفع العالم في طريق حرب نووية من خلال الدعم غير المحدود لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
جابارد قالت ما نصه: "لقد أرسلوا الآن أكثر من 100 مليار دولار لتأجيج هذه الحرب بالوكالة"، وأضافت: "اليوم، أقف أمامكم، ولم أعد في صفوف الحزب الديمقراطي، لأنني لم أستطع البقاء في حزب تسيطر عليه عصابة الحرب، التي تقودها ملكة الحروب، هيلاري كلينتون".
جابارد تعتبر أن أخطر تهديد وجودي هو أن بايدن دفع الشعب الأمريكي والعالم بأسره إلى "هاوية الحرب النووية، وأطلق العنان لحرب باردة جديدة، ويخاطر بحرب عالمية ثالثة".
هل سيشرع الديمقراطيون عما قليل في أن يوجهوا لبايدن عبارة النهاية الآن وكفى حفاظا على مستقبل الحزب؟