أهمية كبيرة تحملها مبادرة "كتف في كتف"، ربما تتجلى في توقيت انطلاقها، تزامنا مع العديد من الأزمات التي يشهدها العالم في اللحظة الراهنة، بين غلاء وتضخم، وتداعيات كبيرة للأوضاع العالمية المرتكبة، والتي تبدو في أبهى صورها مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، وما ترتبت عليه من تهديدات صريحة لأكثر القطاعات الحيوية التي ترتبط مباشرة بحياة الشعوب، سواء الأمن الغذائي أو أمن الطاقة، بالإضافة إلى كونها فرصة لتعزيز العمل الخيري، مع اقتراب شهر رمضان المبارك، وإحياء مفاهيم العمل التطوعي بين الشباب، مما يساهم بصورة كبيرة في تجاوز الأزمات الراهنة، عبر تحقيق حالة من التكاتف المجتمعي، لخلق حالة من الأمل لدى قطاع كبير من المصريين البسطاء، الذين يعانون جراء أوضاع لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
إلا أن الجانب الأبرز في المبادرة، يتجسد في قدرة الدولة المصرية على خلق علاقة من التكامل، مع منظمات المجتمع المدني، لتحقيق المصلحة الجمعية للمجتمع، وهو ما يمثل جانبا استثنائيا في العلاقة بين الجانبين، في ظل حالة من التداخل التي تشوب الأدوار التي تقوم بها تلك المنظمات، ليس في مصر وحدها، بل في العديد من دول العالم، مع انغماسها في أحيان كثيرة في "مستنقع" السياسة، تحت شعارات مجتمعية، تتراوح بين حقوق الإنسان، والذي طالما استخدمته القوى الدولية كذريعة للتدخل فى شؤون الدول في العديد من مناطق العالم، مرورا بالقضايا المثارة على الساحة العالمية، على غرار أزمة التغيرات المناخية، والتي يحتشد على إثرها النشطاء في العديد من الدول الأوروبية، انتصارا للبيئة، لتتحول إلى وسيلة إلى إثارة الاضطرابات في العديد من الدول، بعيدا عن العمل يدا بيد لتحقيق اختراق فى مواجهة مثل هذا التهديد الذي قد يأكل الأخضر واليابس حال الفشل فى احتواءه، وصولا إلى أفكار السياسة النمطية، كالديمقراطية وغيرها، وهو ما يساهم في الكثير من الأحيان إلى تقويض طاقات ضخمة يمكنها العمل جنبا إلى جنب مع مختلف المؤسسات الرسمية، لاحتواء الأزمات التي تواجه المجتمع.
ولعل المعضلة التي تواجه عمل تلك المنظمات في العديد من الدول حول العالم، سواء في منطقتنا أو في مناطق أخرى، تتجسد في الحاجة إلى "إعادة ضبط" توجهاتها، عبر توجيه بوصلتها نحو أزمات المجتمع، والقيام بدور فعال في تقديم حلول جذرية لها، عبر مسارين أولهما يدور حول علاقتها بالمجتمع من خلال إدراك التحديات الحقيقية التي تواجهه، بعيدا عن نمطية الخطابات التي تطغى عليها نزعة السياسة، من جانب، والعمل على تقديم التوعوية لأفراده، حول المخاطر المحدقة به وكيفية التعامل معها، من جانب أخر، بينما استغلال إمكاناتها لحشد كل سبل الدعم للفئات الأكثر احتياجا، والعمل على الوصول به إلى مختلف مناطق الجمهورية، لمساعدتهم على الصمود في مواجهة اللحظة الراهنة، وما تحمله من تحديات كبيرة.
بينما يبقى المسار الأخر قائما على علاقة تلك المنظمات بالدولة، في ظل مرحلة تبدو حساسة للغاية، عبر تحقيق أكبر قدر من التكامل مع مؤسساتها، لتحقيق الأهداف المنشودة، بعيدا عن حالة التنافر التي تسود العلاقة بين الجانبين، وهو ما يعكس عبقرية الدولة المصرية، والتي حرصت على تقديم الدعم لتلك المنظمات، للقيام بدورها، في دعم المجتمع، عبر تذليل كافة العقبات التي تواجهها، لتضفي "صبغة" رسمية داعمة لها، وهو ما بدا في العديد من الخطوات، منها تدشين "التحالف الوطني للعمل الأهلي"، والذي يهدف في الأساس إلى حشد كافة الجمعيات والمنظمات العاملة في هذا المجال، تحت مظلة واحدة، تتبنى خطط ورؤى موحدة، بحيث لا تخرج عن إطار الرؤية المصرية القائمة على تحقيق التنمية الاقتصادية، وتحسين أحول المواطنين، في مواجهة الأزمات الراهنة، لتتحول إلى أحد الأدوات التي من شأنها تحقيق الأهداف التنموية.
ويعد حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي احتفالية "كتف في كتف"، بمثابة خطوة أخرى كبيرة في إطار دعم الدولة المصرية لعمل تلك المنظمات في اللحظة الراهنة، في إطار يعكس حالة من التكامل، يمثل انسجاما مع توجهات الدولة في الداخل والخارج، والتي تعتمد إطارا تكامليا على النطاق الجغرافي في الداخل، عبر ما أسميته في مقال سابق بـ"التكامل التنموى"، وعلى المستوى الإقليمي، وامتداداً إلى المستوى الدولي في صورته الجمعية.
وهنا يمكننا القول بأن مبادرة "كتف في كتف"، تحمل في طياتها أبعادا مهمة، لا تقتصر في جوهرها على مواجهة التحديات المجتمعية الراهنة، في ظل الأزمات القائمة، وإنما تمتد إلى تعزيز رؤية الدولة المصرية القائمة على تحقيق التكامل على كافة المستويات، وهو ما يبدو في الدور الذي يلعبه قطاع الشباب والمرأة وذوي الهمم، ناهيك عن أدوار القطاع الخاص والأحزاب السياسية، لدعم العملية التنموية التي تتبناها الدولة في المرحلة الحالية في مجابهة حزمة من الأزمات المستحدثة، والتي تركت تداعيات كبيرة، رغم كونها قادمة إليها من الخارج، وهو ما يمثل نموذجا جديدا يمكن تعميمه، في ظل امتداد الأزمات الحالية زمنيا وجغرافيا، وهو ما يتطلب قدرة كبيرة من قبل الدول على تحقيق أكبر قدر من الحشد، وإنهاء حالة التنافر، التي من شأنها تقويض كافة الجهود الرامية إلى إنقاذ مواطنيها.