فرنة العيش
عبدالرحمن حبيب
فرنة العيش
من الغرائب والعجائب أننا نقول على فرن العيش فرنة العيش وهو تصغير يشير إلى المخبز الصغير فى الشارع، لكن الأغرب أنه تصغير عاش عبر الزمن فما إن تسأل واحدا "مفيش فرنة عيش هنا؟" حتى يصف الطريق.
لم أكن أتعجب من تلك الاشتقاقات فى الصغر لكننى صرت أتعجب منها وأنا كبير خصوصا أننى أجد كلمة "فرنة" ألطف وأظرف وأقرب للسان من "فرن" بينما لا أقول مخبز ولو على على رقبتى لأنني وقتها سأشعر أننى من العرب المستعربة.
أقول إننى أتذكرها من الطفولة وأصل إلى تلك القناعة: ما يقال فى الطفولة يتحول إلى قاموس فى الكبر، ستفضل سماع وقول الكلمات بنفس طريقة سماعها وقولها حين كنت طفلا وإن كنت تعلم أنها خطأ، لذا يواصل أصحابنا الصعايدة الكلام الصعيدى حين يكبرون ويغادرون إلى المدن والكلام البندرى، إذ يجدون لهجتهم الصعيدية أفضل وأجدها كذلك.
على أن أغرب لهجة هى لهجة أهل الشرقية فهي مزيج من الكلام الصعيدى والكلام الفلاحى، وكلام الشراقوه ينطلق من العربية الفصحى أكثر من غيره، ودعك من "علاوله" والكلام الرائج على النت والفيس بوك وفيديوهات بسنت النبراوى.
لكنك لا تسمع فرنة العيش تلك إلا فى المناطق الشعبية والجميع يفهمون ما تقصده بينما تسمع فى المناطق الراقية كلمات مثل فرن ومخبز وبيكرى وباسترى وبريد شوب.
أما كلمة عيش نفسها فهي تحريف لكلمة خبز فالعيش اسمه خبز لكنى لا أتخيل مصريا يقول "خبز"، سأضحك حينها مع أننى أتقبلها من كل الناطقين بالعربية وإن كانوا من جزر القمر أو المالديف.
أما العجب العجاب فهو أن المصريين حين يهاجرون إلى بلاد الله خلق الله يتكلمون بلغة أهل البلد التى سافروا إليها فيقول المصرى فى الخليج: رايح أركب السيارة، أو سأنتظرك الحين، ويبالغ فيقول كلمات مثل قرقيعان وتو الناس وغشمرة ولا تسألنى ما معنى تلك الكلمات لأنى لا أعرف.
ويقولون فى الخليج عن العيش الفينو صمون وإذا قلت لواحد منهم ما معنى كلمة "صمون" يسألك وما تكون كلمة "الفينو" فلا تعرف فيقول لك إنها كلمات غريبة لكنك لو ركزت ستجد أن كلمة فينو مضحكة أكثر بكثير من صمون، فتسكت كما سكت فى المرة الأولى.