أسعار العملات

دولار / شيكل 3.29
دينار / شيكل 4.64
جنيه مصري / شيكل 0.21
ريال سعودي / شيكل 0.88
يورو / شيكل 3.92
حالة الطقس

القدس / فلسطين

السبت 20.24 C

ما هي المصالح الاستراتيجية الكبرى بين روسيا والصين؟

ما هي المصالح الاستراتيجية الكبرى بين روسيا والصين؟

ما هي المصالح الاستراتيجية الكبرى بين روسيا والصين؟

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

تكشف زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا عن سعي صيني لافت لنقل رسائل مهمة إلى الولايات المتحدة ودول الناتو، ولنطاقات جنوب شرق آسيا، بأن الصين الطرف القوي الممسك بالكثير من الملفات المهمة ليس فقط فيما طرحته في حل الأزمة الأوكرانية الروسية.

ستعمل الصين مع روسيا على إعادة هيكلة النظام الدولي الراهن وفق رؤية ومقاربة مختلفة في عالم متعدد الأقطاب، وسعيا لحجز دور قيادي ومتقدم في الفترة المقبلة عندما تحين ساعة التفاوض حول القضايا الكبرى ليس حول أوكرانيا فقط، وترتيبات ما بعد انتهاء الحرب، وإنما في بحر الصين الجنوبي والقوقاز، ومناطق التماس وبالجوار من أراضي الناتو.

ومن ثم فإن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لموسكو تسجل حضورا ثنائيا مهما يتجاوز ما يتردد عن دعم الصين المحتمل لروسيا في إمدادات السلاح، والعمل على ترجيح كفة الجانب الروسي الذي ما زال يعمل على إحداث أكبر قدر من الثغرات في الموقف الغربي، والعزف على خيارات عدة في نفس التوقيت، وهو ما يعني إطالة أمد الحرب إلى حين تحقيق الأهداف المرجوة وفق النهج الروسي المخطط له جيدا، إضافة لتحجيم أية امتدادات حقيقية لقضايا ملحقة بما هو جار خاصة، وأن دخول الصين إلى جانب روسيا بمقاربة واضحة ليس فيها غموض أو أنصاف حلول سيغير من معادلات القوة والتحرك لجملة من الأسباب.

أولها: أن الصين لا تتبنى فقط دعوتها للسلام والحوار فقط بناء على موقف سياسي ودبلوماسي كان واضحا منذ بدايات الأزمة الروسية الأوكرانية، وإنما ستعمل على مسارات جديدة داعمة للجانب الروسي لاعتبارات تتعلق بالمناكفة الصينية للجانب الأمريكي، ولشخص الرئيس جو بايدن، ومحاولة إحراجه مبكرا قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية التي ستبدأ فعالياتها الأولى خلال الأسابيع المقبلة.

والمعني أن الصين تضع في أولوياتها عين على روسيا وعين على واشنطن ودول الناتو، وهو ما سيزعج كل الأطراف خارج النطاق الروسي الصيني، والذي سيعمل وفق نظرية حسابات المكسب والخسارة المطروحة في الوقت الراهن، إضافة لمسعاه لجني ثمار المنافع الاقتصادية من روسيا، والتي لن تتوقف على إمدادات الغاز كما هو متوقع، فهناك تعاون تجاري واستثمارات وشراكات متنوعة سيتم العمل من خلالها في الفترة المقبلة، وأثيرت على هامش زيارة الرئيس شي جين بينغ مؤخرا، وهو ما سيثير مشكلة حقيقية للإدارة الأمريكية، ولعل هذا يفسر حالة الفزع لدى المسؤولين الأمريكيين بدءا من وزير الخارجية بلينكن، ومرورا بمستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ومدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز.

سيعمل الجانب الأمريكي في المدي القصير علي متابعة ومراقبة ما يجري، والعمل على بناء مقاربات مقابلة في إطار العمل على تضييق مساحات التحرك أمام الصين في جنوب شرق آسيا وفي منطقة بحر الصين الجنوبي، وهي منطقة تعد من مناطق النفوذ التقليدية للجانب الصيني، مثلما تعد القوقاز وما يجاورها منطقة تحرك استراتيجي للجانب الروسي، ومن ثم فقد يكون من المطروح أمريكيا إعادة تنشيط مواجهات تايوان، واستئناف استراتيجية التهديد والرادع الاستباقي عن قرب عبر مناورات وتدريبات مكثفة، وتوظيف الحلفاء الإقليميين في إطار ما يجري بهدف محاولة إشغال الجانب الصيني لاعتبارات سياسية واستراتيجية، ولمنع التمدد الصيني في باقي الملفات الإقليمية والدولية.

ثانيها: من الواضح أن المقاربة الدبلوماسية والتوافقات الإقليمية والدولية التي تعلن عنها الصين في خطابها الإعلامي والسياسي للعالم ليست إلا مدخلا لما هو آت في ظل تطلعات القادة الصينيين، وللرئيس شي جين بينغ في إيجاد دور عالمي للصين يتجاوز ما كان مخطط سلفا، خاصة أن مخرجات مؤتمر الحزب الشيوعي الذي عقد منذ عدة أشهر طرحت رؤية ومقاربة للتعامل مع العالم، وليس مع روسيا أو الناتو فقط، ومن ثم فإن الجانب الصيني سيمضي في سياقات المصالح العليا التي تتجاوز ما كان في الماضي في ظل تطلعات صينية تتجاوز فكر المبادرات، والخيارات التوافقية ليس في الأزمة الروسية الأوكرانية فقط، بل أزمات أخرى، منها حالة الصراع الأمريكي الروسي في مجال ضبط التسلح، واستخدامات النووي، واتفاقية ستارت الجديدة والالتزامات المتعلقة باستخدام السلاح النووي، وغيرها من الموضوعات الثنائية، والتي تحتاج إلى مقاربات مختلفة، ودور صيني بديلا عن الأمم المتحدة، وفي ظل ما يجري ويهدد الاستقرار الدولي في حال استمرار اللجوء لاستخدام القوة في حل وتحليل الصراعات السياسية والاستراتيجية، كما كان يجري في توقيت سابق، حيث عادت الأطراف الكبرى في العالم لاستخدام القوة، الأمر الذي يتطلب دورا رئيسيا للقوى المتزنة والرشيدة تجاه ما يجري، والتي تريد الصين العمل من خلالها واستخدامها، بل توظيف توجهاتها، وهو أمر سيطرح مقاربة للدور الصيني في مناطق تحركه بل وفي أقاليم أخرى بما فيها الشرق الأوسط، والتي تعتبره الولايات المتحدة منطقة نفوذ وفقا للتقسيم القديم، وكما عبرت عنه استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في أغسطس/آب من العام الماضي، والتي اعتبرت الصين خصما وعدوا يجب التعامل معه، وإطلاق حزمة من الإجراءات لتقييد حركته، وتطويق مسارات عمله عبر سلسلة من الإجراءات المرحلية والهيكلية.

 ومن ثم فإن ما قاله الرئيس الصيني في زيارته لموسكو يجب التوقف أمامه على اعتبار أن الصين باتت قطبا عالميا في عالم متعدد الأقطاب والقوى، وهو ما سيمثل تحديا كبيرا للولايات المتحدة، ويمثل مسارات حركتها، خاصة أن السلوك الأمريكي في إدارة أزمة أوكرانيا اتسم بالتردد، وعدم وضوح الرؤية، واعتماد مقاربات تقليدية هشة ومكررة، وهو ما أعطى للجانب الروسي التحرك في مساحات عدة، ومباشرة بل تطوير أسلوب تعامله العسكري والدبلوماسي.

 وبالتالي نحن أمام سيناريوهين، الأول: تحول ما يجري في النطاق الروسي الصيني إلى تحالف هيكلي قد يضم دولا حليفة للجانبين، مما سيولد مناخا سياسيا دوليا مختلفا، ويشكل حلفا جديدا يتسع لضم دول أخرى على غرار حلف وارسو والناتو، وهو ما تتخوف من تبعاته السياسة الأمريكية، وستقف ضده تخوفا من عودة الحرب الباردة، ودعم الطرفين الروسي والصيني للتحولات الإقليمية والدولية مما سيمثل ضغطا حقيقيا على الحضور الأمريكي في العالم، وسيخصم من الوجود الأمريكي في العشرات من المناطق الاستراتيجية، وسيؤدي لتغيير في مقاربة الاستراتيجية السياسية والاستراتيجية الراهنة، وهو أمر مكلف للسياسة الأمريكية، ولن تستطيع مواجهته إلا عبر إجراءات ثنائية ومتعددة الأطراف، ولن تتوقف عند التعامل مع أزمة تايوان، والمضي قدما لنهاية المسار بالنسبة للأزمة الأوكرانية الروسية.

والسيناريو الثاني: استمرار المشهد الراهن، وبناء تحالفات مؤقتة ودائمة وثنائية ومتعددة الأطراف في إطار سيناريو متعدد الرؤى، والاتجاهات مع العمل على استراتيجية متغيرة ومرنة، وبناء أنساق وتحالفات اقتصادية واستراتيجية في نطاق منظومة روسية صينية، وضم الحلفاء الإقليميين إلى هذه المنظومة الدولية.

إن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لموسكو ستؤدي إلى رسم سياسات مختلفة في مواجهة السياسة الأمريكية، والأمر يتجاوز البحث عن حل، أو طرح مبادرة صينية في تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، بل الأمر يتجاوز ذلك كله إلى استراتيجية صينية تدخلية.

ومن ثم فإنه من العبث التأكيد على استمرار الحياد الإيجابي للصين، أو استمرار النظر إليها كقطب اقتصادي عالمي وفقط، وإنما يجب إعادة النظر إليها على أنها القطب الأكبر في عالم متعدد الأقطاب، وأن نظاما دوليا كبيرا يتشكل عبر مقاربة صينية روسية في مواجهة الجانب الأمريكي، الذي ما زال أسيرا لمرحلة سابقة من عمر النظام الدولي القديم، عالم جديد يتشكل وتحالفات جزئية وكلية تبنى، ومقاربات اقتصادية واستراتيجية وعسكرية باتت تعلن عن نفسها.

 

اقرأ أيضا