هل تتقدم أوكرانيا نحو موسكو؟
هل تتقدم أوكرانيا نحو موسكو؟
نسمع منذ عدة أشهر عن الهجوم المضاد المتوقع للقوات الأوكرانية، فيما يستعد الغرب لذلك بنشاط خاص، فيغمر أوكرانيا بالسلاح والمال لهذا الهدف بالذات.
تجف الأرض في أوكرانيا أوائل أبريل المقبل، وبعدها ستصبح الحقول والأراضي صالحة لحركة المعدات الثقيلة، ويبدو أن الهجوم المضاد الأوكراني سيبدأ من منتصف أبريل إلى منتصف مايو.
في الوقت نفسه، تتحدث المصادر الروسية عن تمركز مجموعة كبيرة من القوات الأوكرانية في منطقة كراماتورسك، وهي عمليا مركز خط المواجهة. من هناك، يمكن الوصول بسرعة نسبيا إلى الشمال حيث خاركوف، وإلى الجنوب باتجاه بيرديانسك، لمحاولة قطع الممر البري إلى شبه جزيرة القرم. من الناحية النظرية، من الممكن أيضا محاولة فك الحصار عن أرتيوموفسك (باخموت الأوكرانية)، إلا أن ذلك لا يحمل، في رأيي، فائدة كبيرة لأوكرانيا.
ومع ذلك، فإن كلا من اختيار الاتجاه وسير الهجوم نفسه، في رأيي المتواضع، لا تحدده الاعتبارات العسكرية، بقدر ما تحدده الاعتبارات السياسية.
ففي الأسابيع الأخيرة، أوضحت واشنطن مرارا وتكرارا أنها لن تسمح بتجميد الصراع بأي ثمن، وحتى خطة السلام الصينية تم رفضها حتى قبل طرحها.
ومثل هذا الإصرار من جانب الولايات المتحدة أمر مفهوم: فالحرب منخفضة المستوى في أوكرانيا، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، أصبحت ضارة أكثر وأكثر بالنسبة لجو بايدن. بالأحرى، يمكن أن تصبح أوكرانيا ورقة رابحة في حملته الرئاسية، حال تحقيق نصر عسكري، أو دفنه حال الهزيمة، أو حتى مع الحفاظ على تقدم بطيء للقوات الروسية، حيث يطحن الجيش الروسي القوات الأوكرانية. يضاف إلى ذلك احتمالات انهيار الاقتصاد الأمريكي خلال الحملة الانتخابية.
باختصار، تحتاج واشنطن إلى النصر بشكل ملح، لكن واشنطن ليس لديها خطة بديلة حال فشل الهجوم الأوكراني. أو بالأحرى، هناك خطة تتضمن توريط دول أوروبا الشرقية في الحرب، إلا أنها تزيد بشكل كبير من مخاطر نشوب صراع نووي، والذي من غير المرجح أن يضيف إلى فرص بايدن في النجاح في الانتخابات، وتترك واشنطن هذا الخيار كحل أخير.
لقد أحرق الغرب الجسور في محاولته الفاشلة لتدمير الاقتصاد الروسي بسرعة، ولم يتبق أمامه إلا الاعتراف بالهزيمة مع عواقب وخيمة على نفسه، أو رفع المخاطر، على أمل استعادة جميع الخسائر بفوز واحد.
ووفقا للجنرال السابق في "الناتو"، الرئيس التشيكي الحالي بيتر بافل، فإن لدى الغرب ما يكفي من الأسلحة والموارد البشرية الأوكرانية لمحاولة واحدة فقط لشن هجوم حاسم.
لكن أوكرانيا حشدت بالفعل قوى ضخمة للهجوم.
ويشير كل من الأوكرانيين وجميع الخبراء العسكريين بشكل عام إلى الاتجاه الجنوبي باعتباره أمرا لا مفر منه تقريبا، لأنه إذا ما نجح هذا الهجوم سيؤدي إلى عزل شبه جزيرة القرم والقضاء على جميع مكاسب روسيا تقريبا في العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا. ومع ذلك، فأظن أنه بالنسبة لموسكو، ومن وجهة نظر الحرب الكبيرة مع "الناتو"، فإن أي أحداث على أراضي أوكرانيا السابقة تقع على المستوى التكتيكي أو حتى المحلي، وليس على المستوى الاستراتيجي، حيث يمكن للجبهة الأوكرانية أن تتحرك للخلف أو للأمام، لكن هذا كله لا يمكن أن يجبر موسكو على وقف الأعمال العدائية، ناهيك عن إجبارها على توقيع سلام بشروط الغرب.
ما تحتاجه واشنطن ليس نجاحا محليا، بل وحتى نجاحا مؤقتا في مكان ما على حدود البلاد، وإنما صدمة قصوى في المجتمع الروسي، تستطيع أن تقوض موقف الرئيس بوتين داخل روسيا. من المستحيل هزيمة الجيش الروسي في ساحة المعركة، لهذا تبدو الفرصة الوحيدة للغرب هي إثارة الاضطرابات والثورة داخل روسيا.
لست خبيرا عسكريا، وربما من وجهة النظر العسكرية، فإن الخيار الذي أراه غير واعد، لكن يبدو لي أنه من أجل تحقيق أقصى قدر من التأثير السياسي، تحتاج أوكرانيا إلى الاستيلاء على مدينة روسية كبيرة والحفاظ عليها لمدة طويلة. ولعل مدينة بيلغورود هي المدينة الأنسب لهذا الغرض، حيث تقع على بعد 37 كيلومترا من الحدود الأوكرانية، وتبرز قليلا داخل الأراضي الأوكرانية، ما يسهل محاصرتها ويسهل على الأوكرانيين أنفسهم تجنب التطويق.
وفي حال احتلال القوات الأوكرانية للمدينة، وحتى لو طوّقتها القوات الروسية، فسيستغرق التحرير وقتا، ومن المرجح أن يتم تدمير المدينة أثناء ذلك، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للكرملين، بل وأكثر من ذلك بالنسبة للرأي العام الروسي. ومثل هذا الاحتمال يجب أن يجبر موسكو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع كييف.
كذلك يعد الهجوم على الجنوب وقطع الممر البري المؤدي إلى شبه جزيرة القرم خيارا واعدا، إلا أنه أكثر خطورة، لأنه بعد اختراق خط الجبهة الروسية، يمكن تطويق القوات الأوكرانية وتدميرها، حيث أن هذا القطاع من الجبهة محصن بشكل أفضل كثيرا من قبل القوات الروسية، وهو أقل ملاءمة من الناحية الجغرافية للجانب الأوكراني.
جانب آخر هو أنه عند التقدم شمالا، باتجاه موسكو، سيتم نقل الأعمال العدائية إلى عمق الأراضي الروسية، وهو ما ستقوم به أوكرانيا، فيما لا تنوي وعلى الأرجح لن تقوم موسكو باستخدام الأسلحة النووية ضدها، وهو ما سيشكل سابقة من شأنها أن تمنح بعض التشجيع لعواصم أوروبا الشرقية، بدءا من وارسو، التي تتردد في الانضمام للحرب.
وفي حال تحقيق أقصى قدر من النجاح، فإن لدى أوكرانيا احتمال تحقيق مزيد من التقدم نحو موسكو.
باختصار، مرة أخرى لست خبيرا عسكريا، لكنني كنت لأتعامل مع الهجوم الأوكراني المحتمل على الشمال بأكبر قدر من الجدية، خاصة وأن الأحاديث العلنية بشأن الهجوم جنوبا تثير الشكوك.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف