مقارنة بين الجيش السوداني والدعم السريع
مقارنة بين الجيش السوداني والدعم السريع، وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري في السودان (الجيش، والدعم السريع) إلى مستوى غير مسبوق من التوتر ينذر بمواجهة مباشرة، حيث حذر الجيش من أن البلاد تمر بـ"منعطف خطير" بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم ومدن رئيسية.
ولكن هذا التوتر ليس وليد اللحظة، فقد تطور عبر تصريحات ومواقف ليصل إلى محطته الحالية. وفي ما يلي أبرز تطورات الخلاف بين الطرفين:
- برز الخلاف إلى العلن بين قيادتي الجيش وقوات الدعم بعد تصريحات سابقة لقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) قال فيها إنه اكتشف منذ اليوم الأول أن قرارات قائد الجيش عام 2021 التي أقصى فيها الحكومة المدنية السائدة نُفذت لتكون بوابة لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول.
- ثم عاد الخلاف للظهور بصورة واضحة على السطح بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضم قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي أقر بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
- لاحقا أعلن الجيش أنه أيد الاتفاق الإطاري لأنه يلزم بدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
- طالب الجيش بدمج قوات الدعم السريع في جيش واحد وأن تكون هناك قيادة واحدة للجيش بعد الدمج.
- طالب الجيش أيضا بإتباع شركات قوات الدعم السريع لوزارة المالية والإجراءات الحكومية المعروفة.
- يشترط الجيش بأن يكون هو من يحدد تحركات وانتشار القوات وفق عملية الدمج.
- من جانبه، اتهم حميدتي قيادات في الجيش -لم يسمها- بالتخطيط للبقاء في الحكم وبأنها لا تريد مغادرة السلطة.
- يؤيد الدعم السريع فكرة الدمج، ولكنه يشترط بأن يتم وفق جداول زمنية متفق عليها.
- يشدد الدعم السريع على تمسكه بالاتفاق الإطاري ويقول إنه لن يتنازل عنه.
- وتشترط قوات الدعم السريع أيضا مساواة ضباطها في الامتيازات بنظرائهم في الجيش.
- وتطالب قوات الدعم السريع بالتزام القوات المسلحة بالدستور السوداني الذي سيتم إقراره.
- كما تطالب قوات الدعم السريع بوقف ما تسميه عمليات التجنيد في الجيش خلال هذه فترة الدمج.
- وتتحدث تسريبات عن خلافات مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع بصورة واضحة حول أحقية القيادة والتحكم خلال عملية الدمج وبعدها.
مقارنة بين الجيش السوداني والدعم السريع
ولا توجد أرقام مؤكدة لعديد قوات الدعم السريع، غير أن التقديرات تشير إلى انضواء نحو 40 ألف مقاتل في صفوفها. وتملك هذه القوات أسلحة خفيفة ومتوسطة، وبدأت بالظهور على الساحة منذ العام 2013، لا سيما لدورها في الحرب في دارفور، علماً أن اتهامات تلاحقها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتملك هذه القوات راهناً مراكز في الخرطوم وفي مدن أخرى، إضافة إلى مواقع حدودية مع دول الجوار، علماً أنها كُلفت في فترات سابقة بالتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية. في المقابل، يزيد عديد الجيش السوداني عن 100 ألف جندي في الخدمة، إضافة إلى نحو 80 ألفاً في الاحتياط، ويمتلك هذا الجيش معدات ثقيلة وطائرات حربية ودبابات.
تقارير عربية
السودان: تحالف الحرية والتغيير يهدد بخيارات بديلة إذا تعثرت التسوية
استبعاد المواجهة العسكرية
وتعليقاً على الوضع الراهن، قال خبير إدارة الأزمات والتفاوض في مركز البحوث الاستراتيجية، اللواء أمين مجذوب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الخلاف بين الجيش والدعم السريع كبير وعميق، ووجهات النظر متباعدة جداً، وظهر ذلك في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، مشيراً إلى أن التوصيات التي رفعتها القوات المسلحة تمس هيكلية الدعم السريع، لا سيما ما يتعلق بالشروط التي اقترحتها للالتحاق بالجيش في حال الدمج، وهي شروط ربما تبعد كل الضباط الموجودين في الدعم السريع.
وأضاف أن مقترحات الدعم السريع جاءت بتغيير نظام القبول في الكلية الحربية وتعديل وإصلاح بنية القوات المسلحة، وإبعاد الموالين للنظام السابق، وكلها تعتبر خطوطاً حمراء لدى الجيش، متابعاً "لذا الخلاف كبير ولا أتوقع وصولهما إلى أي اتفاق في الوقت الحالي، وربما يؤثر ذلك على كل التسوية السياسية التي تجري الآن".
لكن مجذوب استبعد وصول الأمر إلى سيناريوهات عنفية أو حرب، لأن أثرها سيمتد في كل البلاد وفي دول الجوار، فالسودان يجاور 7 دول معظمها يتعرض لصراعات ونزاعات، مثل إثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
كما أكد أن المجتمع الدولي لن يسمح بتلك المواجهة العسكرية وتمددها لما لها من تأثير، لكن إن حدثت المواجهة، فإن القوات المسلحة هي جيش منظم كلاسيكي لديها خبرات كبيرة وأسلحة ومعدات برية وجوية، ما يمكّنها من السيطرة والمواجهة مع أي من القوات لعوامل الخبرة والثبات ونوعية الأسلحة الثقيلة، ومعرفتها الجيدة بقتال المدن، وفق قوله، وأشار إلى أنه حتى الكونغرس الأميركي قرر في السابق أن الولايات المتحدة عليها ان تقف مع القوات المسلحة إذا حدثت المواجهة.
فرضية المواجهة العسكرية استبعدها أيضاً العميد المتقاعد أحمد الجعلي، الذي رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا مصلحة لأي طرف من الأطراف في الدخول فيها، ولم يصل الخلاف بين الطرفين إلى درجة المغامرة بحرب، ولفت إلى أنه "ليست هناك مناطق نفوذ منفردة، فالطرفان في مكان واحد وأرض واحدة وثكنات قريبة بعضها من بعض"، مشيراً إلى أن أي حرب ستكون كارثية وطويلة الأمد.
ورأى أن الخلاف الحالي بين الجيش والدعم السريع هو خلاف طبيعي حول دمج قوات بهذا العدد الكبير، ويحتاج إلى إجراءات فنية طويلة وخطط وبرامج وإلى ميزانيات ضخمة، مقترحاً تدخّل الأمم المتحدة لدعم تلك البرامج كما حدث في بلدان أخرى، خصوصاً أن المعضلة الأساسية حالياً مرتبطة بتوفر أموال الدمج، وفق قوله.
واعتبر الجعلي أن على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التوافق السياسي أولاً ووضع جدول زمني واضح، وفك كل التعقيدات الفنية والترتيبات تجنّباً لأي كارثة، مشدداً على أن المخرج سياسي، والمفترض أن يبدأ بالاتفاق على مواقيت الدمج التي يقترحها الجيش بعامين والدعم السريع بعشرة أعوام، مبيناً أن كلا المقترحين غير واقعي، من حيث قصر المدة في الأول، وطولها في الثاني.
معضلة إنشاء جيش سوداني واحد
أما الخبير العسكري اللواء المتقاعد خالد محمد عبيد الله، فأكد أن استمرار قوات الدعم السريع كقوات موازية للجيش أمر سيظل مرفوضاً جملة وتفصيلاً، ويحتاج إلى معالجة كلية من أجل إنشاء جيش وطني واحد، ورأى أن الدعم السريع يسعى للحصول على نفوذ سياسي من خلال تحالفه مع مجموعة "قوى الحرية والتغيير"، وهذا ما يفرض عليه الإسراع في الاندماج في الجيش وفق رؤية فنية لا تتجاوز العام ولا تزيد عن عامين، هما عمر الفترة الانتقالية، وهو أمر بحاجة إلى إرادة سياسية.
واستبعد عبيد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، سيناريو المواجهة العسكرية بين الطرفين، مشيراً إلى أن قوات الدعم السريع تعي قدرات الجيش، ولا يمكن أن تغامر بكل مكتسباتها عبر الدخول في مواجهة مع الجيش الذي قاتل أكثر من خمسين عاماً في مختلف أقاليم السودان ولم يهزم في أي معركة، ولديه منظومة إمدادية وإدارية منتشرة في كل السودان لا يمكن قطعها، هذا غير الاتفاقيات الاستراتيجية، ومنها اتفاقية "عاصفة الحزم" واتفاقية الدفاع المشترك بين السودان ومصر، اللتان تتيحان للجيش التعاون مع جيوش أخرى في حالات العدوان.
وأكد أن الكفة لصالح الجيش متى ما دخل في صراع مع أي طرف من الأطراف، فلديه منظومة صواريخ متطورة وطائرات مسيّرة وأقوى سلاح مدرعات وعقيدة قتالية موروثة تدافع عن الدولة.
ورأى عبيد الله أنه لا يمكن لأي دولة أن تتدخّل في أي شأن محلي في السودان بتقديم دعم أياً كان نوعه أو تنحاز لطرف ما، لأن ذلك يعتبر اعتداء مباشراً تحدد القوانين الدولية كيفية التعامل معه، وأعرب عن أمله بانتهاء كل الخلافات عبر الوساطات و"الجوديات". والأخيرة نوع من الوساطة لكن تتم بأساس مجتمعي تلعب فيه الرموز المجتمعية دوراً أهم.
أما الناشط السياسي منتصر إبراهيم، فرأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن النظر للخلاف بين الجيش والدعم السريع يجب أن يتم من خلال تحليل ديناميات التدخل العسكري في فترة الانتقال، إذ "يصاحب تلك العملية تخلخل في موازين القوى، ويسعى الجيش فيها إلى ضبط تلك الموازين، ولكن مع التغيرات التي حدثت في علاقات السلطة اختلت تلك الموازين، لذلك نشبت الأزمة التي تستدعي إدارتها بأفق تشكيل الدولة".
واعتبر أنه من الجيد إجراء الخطوة في سياق استئناف مسار الانتقال من خلال ورشة عمل إصلاح القطاع العسكري، متوقعاً أن يتم تجاوز الأزمة طالما قنوات التفاهم على أسس عملية ما زالت مفتوحة، ولفت إلى أن هناك شركاء محليين ودوليين يبذلون المساعي بهدف الوصول إلى تسوية من نوع ما، مستبعداً كلياً المواجهة العسكرية، لأن ما يحدث الآن هو صراع نفوذ وليس صراع وجود، حسب تقديره.