القيامة نور وطريق
القس اندريه زكى
القيامة نور وطريق
القيامة هى حجر الزاوية فى الإيمان المسيحى، إذ أن القيامة تعدُّ نقطة تحول مهمة فى حياة كل من يتبع المسيح، ويمكننا القول إن السيد المسيح - بقيامته - استطاع أن يُشرق بنور يُعيد بناء وعى أتباعه تجاه شخصه، باعتباره المسيا المنتظر، فيضىءَ تأثيره فى الحاضر والمستقبل، كما أن القيامة ساعدت هذه الجماعة الناشئة على التماسك ومواجهة التحديات وبناء مجتمع جديد مؤسَّس على الكرامة الإنسانية وحب الآخر والتضحية، والتأكيد على التوبة الفردية والجماعية كنور يبزغ لينير طريقا جديدا للخلاص.
القيامة كانت لهذه الجماعة الجديدة طريقا يربط بين الماضى والمستقبل ويمكن القول إن القيامة حطَّمت حواجز الأنانية وعمَّقت مفهوم المشاركة، ونرى أتباع المسيح يبنون معا مجتمعا يتسم بالتكامل الاجتماعى من خلال بيع ممتلكاتهم ليعطوا من خلال مشاركة الجميع مع بعضهم «أعمال الرسل 4: 32-37».
كما أن القيامة ساهمت أيضا فى بناء مجتمع يستوعب الآخر ويُعطى مكانا لجميع الناس من خلال الخروج من النظرة الضيقة والتى تربط الإيمان بالعرق، استطاعت القيامة أيضا أن تحطم حواجز التمييز بين الرجل والمرأة، الفقير والغنى، اليهودى والأممى «رسالة بولس الرسول لأهل غلاطية 3: 25-28». بل ساهمت فى التأكيد على مبدأ المساواة والاستيعاب والتعددية. فجاءت الكنيسة الأولى غنية بالخبرات البشرية والتعدد القومى والاجتماعي.
ومن هنا ماذا تعنى القيامة بالنسبة لنا اليوم؟
تعنى القيامة طريق الخروج من النظرة الضيقة والأنانية والتى ينصب كل ما فيها على الشخص، ليسع الإيمان كل الجماعة، أيضا تعنى القيامة أنَّ فى حياتنا دعوة، إذ يدعونا المسيح لأن نعيش من أجل هدفٍ سامٍ يكسِب حياتنا معنى فى تحقيقه، فنعيش هذا الهدف فى كلامنا وأفعالنا ومواقفنا ونكون مستعدِّين للتضحية من أجله. وعندها تصبح حياتنا التى عشناها نورا لطريق الآخرين فنعمل جميعا على رفع البشرية و»قيامتها» من حالٍ إلى حالٍ أفضل. ولن تنتهى حياتنا هكذا بالموت «كلُّ مَنْ كَانَ حَيّا وَآمَنَ بِى فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ»، «الإنجيل بحسب يوحنا 11: 26»، بل «يقوم» من الموت ليبقى حيّا فى نفوس كل من عاش هذه الحياة ويعيشها.
كما أن حياة المسيح لا تزال حية فى الكنيسة، فما تزال كلماته فعّالة فى نفوس البشر، ومحبته قابلة لأن تُعاش وأن تُغيِّر الإنسان. وهكذا أصبح لنا المسيح مثالا بقيامته، هو «بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ» «رسالة بولس الرسول لأهل كولوسى 1: 18» وهو نفسه يدعونا من خلال حياته وإنجيله «أَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ» إلى حياةٍ «مؤسسة على الصخر».
لذا أقول: يتطلب عيش هذه الدعوة تحمُّل الكثير من الصعوبات والآلام، كما تحمّل السيد المسيح، إذ لا توجد قيامة بدون آلام «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِى الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِى بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» «الإنجيل بحسب يوحنا 12: 24».
لذلك فإن القيامة تعنى أن نقوم من سقطاتنا، أى أن نقبل ضعف طبيعتنا البشرية ومحدودية إمكانياتنا، وألا نيأس أو نُحبَط عندما تأتينا الصعوبات والمشاكل، بل أن نجعل منها وسيلة تقوِّى تمسُّكنا بدعوتنا وبمن دعانا! إذ ليست ظروف الحياة هى مقياس حياتنا، وإنما التزامنا بدعوتنا رغم كل ظروف هو الذى يعطى لحياتنا معنى.
وبناء على كل ذلك، لا بدَّ أن نتَّسم بالإيجابية وأن نخرُج من كل سلبية لأنها توقفنا عن تحقيق دعوتنا، إذا كان المسيح قد انتصر حتى على الموت «لا تخافوا، أنا قد غلبتُ العالم» فلا مجال لسلبية فى حياتنا، بل أن ننظر إلى الحياة من خلال عين الله، فنحب الجميع وندعوهم إلى الأخوّة والمحبة والسلام، وبذلك نساهم فى «قيامة» حياتنا وحياة الآخرين والعالم كله.
فى القيامة أيضا أصبحت الحرية الحقيقة واقعا يمكن أن يعاش، إذ كانت إعلان أن كل ثمن خطيئتنا دفع كاملا، ليسترد الإنسان علاقته بالله، ويسير فى طريق الحرية والحياة الحقيقية، فنحن نلتقى فى يسوع المسيح بالإنسان الحقيقى مرة أخرى، الإنسان صاحب الحرية، الإنسان الذى فيه كمال الإنسانية، لأنه ذلك الشخص الخاضع تماما لله، دون ضغط أو إكراه، بل بالرباط الوحيد الممكن، رباط المحبة.
وفى عيد القيامة نصلى، أن يعم الله بمحبته فى قلوبنا جميعا، فنعيش سلاما حقيقيّا وإبداعا روحيّا، كما نصلى لبلادنا أن يعم السلام أرجاءَها، ولقادتنا أن يباركهم الرب ويحرسهم ويضىء بوجهه عليهم ويمنحهم سلاما.