السودان.. مخاطر استدعاء الخارج
مع استمرار وتفاقم الأزمة المتفجرة بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان "وقوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، واتساع نطاق المعارك العسكرية وتدهور الوضع الإنساني خصوصاً بين المدنيين..
بدأت مواقف الطرفين تتجه نحو توسيع نطاق الأزمة ليشمل أطرافاً أخرى. وتحديداً بدأ الجانبان المتحاربان في استدعاء العامل الخارجي لتوظيفه في إدارة الأزمة.
إنه تطور سلبي ينذر بتداعيات غير محسوبة العواقب، ليس فقط على نطاق الأزمة الحالية نفسها، لكن أيضاً على علاقات السودان الخارجية بل وعلى التوازن الإقليمي في المنطقة كلها. فقد كشفت تطورات الأيام الماضية عن مساعٍ لتوريط أطراف خارجية في الأزمة واستدراجها للانخراط في المعارك الدائرة، أو على الأقل دفعها للتدخل سياسياً لوقف القتال وإبرام تسوية أو اتفاق في صالح أحد طرفي الأزمة السودانية.
من أبرز صور محاولات استدراج الخارج، تعرض بعثات دبلوماسية أجنبية لاعتداءات غامضة في العاصمة الخرطوم، شملت اعتداءات موكب سيارات تابع للسفارة الأمريكية، وهجوماً آخر أصيب فيه مبعوث الاتحاد الأوروبي للشؤون الإنسانية في السودان، وكذلك الأمر مع مقار دبلوماسية ومنظمات إغاثية تابعة للأمم المتحدة.
ويشير تعدد الهجمات على أهداف ذات صفة دبلوماسية، إلى توصيل رسالة مباشرة للدول الأجنبية بأن بعثاتها الدبلوماسية في خطر، ما يعني بالطبع أن تفكر تلك الدول في التحرك وربما التدخل لحماية بعثاتها، أو في الحد الأدنى سحب أفرادها وربما رعاياها من السودان.
من التطورات الجديرة بالاهتمام أيضاً، تبادل الاتهامات بين كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالاستقواء المباشر بدول أجنبية في المعارك الدائرة. فأعلن الجيش السوداني أن قوات الدعم السريع مدعومة من دول أخرى وتتلقى دعماً عسكرياً مباشراً من أطراف مجاورة.
وفي المقابل، ادعت قوات الدعم السريع أنها تتعرض للقصف بطائرات أجنبية. إن هذا التطور في مواقف الطرفين يشير بوضوح إلى رغبة مشتركة في استدراج "الخارج" ليصير طرفاً في الأزمة.
وهو ما يحمل دلالات وتداعيات شديدة الخطورة بالنسبة لمستقبل أزمة اندلعت قبل أيام فقط، ولمستقبل السودان كله في حال تحققت تلك الرغبة سواءً بتدخل أي طرف أجنبي لصالح أحد الجانبين، أو الأسوأ وهو تدخل أكثر من طرف لصالح كلا الجانبين.
فمن حيث المبدأ لا دولة ولا أي قوة أجنبية تضع مصالح السودان وشعبه في أولوياتها بقدر ما تهمها المصالح والمكاسب الذاتية أولاً. وبالتالي لن يكون استقرار السودان أو تأمين مستقبل آمن لشعبه على رأس أهداف أي تدخل أجنبي ولو كان سياسياً، إلا إذا كان التدخل غير مكلف بالمرة أو بلا أي أعباء.
حيث إن ذلك التدخل الحميد هو المطلوب دائماً في الأزمات لتخفيف التوتر وتقريب وجهات النظر، أو لإنهاء موقف معين ينذر بتداعيات أكثر خطورة من الأزمة الأصلية.
وعادة ما يتم ذلك بمبادرة ذاتية وليس بدعوة أحد أطراف الأزمة المباشرين.
المثال الواضح على ذلك، الوساطة التي قامت بها دولة الإمارات لحل مسألة احتجاز أفراد كتيبة عسكرية مصرية في قاعدة عسكرية بمروي.
حيث قامت الإمارات بحس إنساني وأخوي بتحركات سريعة واتصالات مباشرة مع الأطراف السودانية المتحاربة، لضمان أمن وسلامة الجنود المصريين وتسليمهم إلى السلطات المصرية. وما عدا عن ذلك التحرك الإماراتي الاستثنائي والمدفوع حصراً بأسباب إنسانية وأخوية، فإن تزايد الحديث في السودان عن تدخلات خارجية وتبادل الاتهامات، يجب ألا يؤخذ على محمل الجد بالنسبة لأي أدوار خارجية محتملة في الأزمة.
فتلك الاتهامات عادة تكون واحدة من أدوات إدارة الأزمة سياسياً ومعنوياً.
إن كثرة الحديث عن أدوار خارجية ومقولات الدعم الأجنبي العسكري لهذا الطرف أو ذاك هو مؤشر خطر في حال استمرار المواجهات المسلحة وعجز طرفيها عن تسوية الأزمة سلمياً أو حتى حسمها عسكرياً ولدينا أمثلة كثيرة قد تكون الحالة الليبية خير مثال.
وفي هذه الحالة، يجب حشد جميع الجهود والمواقف العربية، لحصر الأزمة في نطاقها السوداني فقط. مع الحرص في الوقت ذاته على أن تقوم الدول العربية الشقيقة للسودان بواجبها العربي في مساعدة الشعب السوداني على الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، ومحاولة الاضطلاع بدور عربي جماعي في تطويق الأزمة وحلها بما يخدم استقرار وأمن ومستقبل السودان شعباً ودولة.