تأملات في خارطة الطريق العربية لسوريا
هذه هي المرة الأولى التي يتقدم بها العرب من خلال مجموعة منسجمة وليس بالإجماع ولا بشكل ثنائي، بمشروع أولي متكامل لحل قضية عربية بحجم القضية السورية.
وقد يكون الأهم في هذا الحل أنه بني على ركيزتين أساسيتين: الأولى عندما تم تشخيص الواقع السوري المعقد والصعب بكل صراحة ووضوح وشفافية، وتم إعلانه على الملأ عبر التصريحات ووسائل الإعلام، وهذا يعكس هدفا كبيرا يتمثل في مكاشفة الرأي العام السوري والعربي والدولي بحقيقة واقع سوريا من جانب، ويشير من جانب آخر إلى أن الخارطة العربية لن تعمل من تحت الطاولة في هذه النقاط مع أي طرف؛ لأنها تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف المكونات السورية، بصرف النظر عن توجهاتها بما فيها التيارات والقوى السورية الأخرى.
أما الأمر الثاني فيتمثل في تقديم الدواء الناجع للواقع السوري وفق مبدأ "خطوة مقابل خطوة".
تطور المواقف العربية ووصولها إلى إعلان عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعودة عمل بعض البعثات الدبلوماسية العربية في سوريا وبالعكس تدريجياً؛ لم يكن ليحدث لو لم تتقدم دمشق بإجابات واضحة ودقيقة على المطالب التي تضمنتها خارطة الطريق العربية، وهذا يعني أن التفاعل بين سوريا والعرب بات أمرا حتميا، وعليه يمكن بناء تفاهمات إضافية في جميع النقاط التي وردت في بياني جدة وعمان.
وقد تكون الغارة الجوية التي يقال إنها أردنية على معمل لتصنيع الكبتاغون وعلى أشهر وأكبر مهربي المخدرات السوريين إلى الأردن وإلى الخليج، أكثر البراهين دلالة على هذا التطور الإيجابي في التوافقات بين الطرفين، فكأنما جاءت العملية في درعا وفي السويداء جنوب سوريا ترجمة حرفية لهذه التفاهمات بل أشبه بإعلان على تدشين هذا التعاون السوري مع العرب من جهة، وتعزيزا لموقف سوريا ومصداقيتها في هذا المضمار الجديد من جهة ثانية، وبالتالي يمكن للجانب السوري ضبط الحدود بالتعاون مع دول الجوار.
أولى الإشارات التي أرسلتها دمشق إلى العرب وغيرهم حول الانخراط في إجراءات عملية لفرض سيادة الدولة السورية، كانت قرارها بإزالة الأعلام غير السورية من عدد من المنصات والأماكن والمقرات في عدد من المدن والمحافظات السورية في شرق البلاد ووسطها واستبدالها بالعلم السوري الرسمي كتأكيد على قدرتها على اتخاذ أي قرار يصب في مصلحتها الوطنية وفي مصلحة العرب بعد الاتفاق الذي حصل بينهم بكل تفاصيله وبنوده السياسية والاقتصادية والأمنية، والقول بأن موضوع المليشيات الذي طالبت الخارطة العربية بمعالجته وإزاحته عن المشهد السوري بكل صنوفها وانتماءاتها لن يكون عامل توتير للعلاقات مع الدول العربية .
الجانب السياسي في المبادرة العربية جاء بعد الملفين الإنساني والأمني ضمن قائمة الأولويات العربية من دمشق، وتقديم الملفات الإنسانية والأمنية له دلالاته وأهدافه، فمن الواضح أن الجانب العربي أراد أن يؤخر ترتيب الملف السياسي والعملية السياسية إلى ما بعد الجانبين الإنساني والأمني مع دمشق، وهذا يعني أن تفاهمات ستحدث بين الطرفين لاحقاً، حول طبيعة الحل السياسي ومخرجاته ونتائجه بعد أن تتدرج عملية التفاهمات العربية مع سوريا في كثير من الملفات الأخرى نحو التثبيت والاستقرار، وعندها يتم صياغة مقاربات جديدة للبعد السياسي، بما فيها القرار الدولي 2254 وتفسيراته ليكون نقطة التقاء بدل أن يكون سببا في التباعد والخصومة لاحقا، بمعنى بلورة رؤية عربية تخدم سوريا دولة وشعبا انطلاقا من واقعية سياسية في تفسير وتطبيق القرار ونتائجه، وما يترتب عليه ضمن حدود المصلحة السورية، وإحداث بعض التعديلات إرضاء لبعض الأطراف السورية المعارضة وللخارج، خاصة أن الخارطة العربية تؤيد "حلاً سوريًّا-سوريًّا دون تدخلات وإملاءات من الخارج".
أن ترفض الولايات المتحدة ومعها الغرب عودة العلاقات بين سوريا ومعظم العرب، فهذا موقف غير مفاجئ؛ لأسباب كثيرة أهمها أن واشنطن تريد التعبير من خلال مواقفها عن تأثيرها وهيمنتها على أي توجهات بشأن المسألة السورية تحديداً، سواء صدرت من العرب أو من غيرهم، وهي لا ترغب في أن يكون هناك قرار عربي مستقل في قضية بحجم القضية السورية أو غيرها؛ لأن ذلك يعني تجاوزها، ولهذا تحدثت بطريقة مواربة وغير حاسمة باتجاهين؛ الأول باتجاه العواصم العربية حين قالت إنها تتفهم غاياتهم لحل الأزمة السورية، والاتجاه الثاني رفضها الموافقة أو دعم التطبيع العربي مع دمشق إلا بعد تنفيذ القرار 2254 وحدوث تغيير سياسي.. وهذا الموقف ينطوي على مغازلة غير بريئة للعرب.