في معرض الكتاب.. نقاشات حول مستقبل "الذكاء الاصطناعي"
اختتم، أمس، معرض أبوظبي الدولي للكتاب فعالياته الثقافية المتنوعة التي امتدت من 22-28 مايو/أيار الحالي.
وقد كان الذكاء الاصطناعي ودوره المستقبلي "ضيفاً فكرياً" فيه واحتل مساحة كبيرة لدى مراكز دراسات وفي النقاشات والحوارات اليومية واستضاف مركز تريندز للبحوث والاستشارات بالتعاون مع الأرشيف والمكتبة الوطنية ندوة عن مستقبل "المكتبات الذكية والمواطنة الرقمية" وعن العلاقة التي تربط بينهما.
انصب التركيز في مناقشة هذا الموضوع على استعدادات دولة الإمارات ومعها عالمنا العربي للدخول في هذه المرحلة التي كما ذكرها أحد الضيوف أنها ليست خياراً وإنما هي قرار ينبغي التعامل معه بأقل التحديات والتكاليف.
غلب على آراء ضيوف الندوة روح تفاؤلية وإيجابية في أن يعمل الذكاء الاصطناعي على تسهيل حياة الإنسان، كما كان الاتفاق واضحاً بأنه ليس جديداً أن دولة الإمارات كانت بعيدة النظر في خططها المستقبلية عندما اتجهت منذ سنوات إلى الاستثمار في العلوم الحديثة والبحث العلمي والمعرفة بشكل عام لأنه الأساس في مواجهة كل التحديات الجديدة. بل ما يتضح لنا اليوم أن هذه الدولة امتلكت القدرة على استشراف المستقبل وتوقع ما سيشهده العالم من إنجازات وتقدم في مجالات محددة من شأنها التأثير وربما التحكم في مستقبل البشرية.
إن الطفرات التي يشهدها العالم في مجال الذكاء الاصطناعي مذهلة وتجاوزت حدود المتوقع. ولم يكن مفاجئاً أو هكذا يفترض لمن يتابع تلك الطفرات أن تسفر البحوث العلمية والتطوير عن برامج أو مواقع بإمكانها الإجابة عن أي سؤال بحثي (مثل تشات جي بي تي أو بارد) وكان ذلك متوقعاً منذ عرف العالم "الإنترنت" وما يعرف بسلاسل البيانات أو البيانات الضخمة، حيث تتوافر قواعد البيانات الكبيرة على كم غير محدود من المعلومات والبيانات الكفيلة بتقديم الإجابات بعد عملية بسيطة من تجميع وربط وتحليل المعلومات ذات الصلة للسؤال.
في الوقت ذاته، أصبحت تلك التقنيات الحديثة والبرمجيات المتقدمة وسيلة أساسية في البحوث الطبية واستحداث علاجات لأمراض مستعصية. كما بدأت تجارب على اللجوء للذكاء الاصطناعي في ترشيح البدائل المناسبة والخطط ذات الأولوية وفقاً لكل سيناريو ومعطياته، وذلك في حالة الأزمات الكوارث وكذلك عند وضع السياسات وعمل دراسات الجدوى الاقتصادية خصوصاً في نطاق استباق وإدارة المخاطر.
سيكون عالمنا في المستقبل أمام قدرات وإمكانات لا يمكن تخيلها وقد لا يمكن تحملها أيضاً. فقد أصبح ما كان يعرف بالإنسان الآلي أو الروبوت، أكثر قدرة وكفاءة وإبداعاً، حتى صارت تلك الأجهزة تستطيع ممارسة التفكير الذاتي المستقل. وهو ما يعني أن العالم بصدد ظهور كائنات مصطنعة بأيدي البشر، لكنها قادرة على التفكير والتحليل بمستويات أعلى كثيراً من البشر أنفسهم.
وفي هذا وجه إيجابي بالتأكيد وهو أن تلك الكائنات الجديدة ستخضع لحسابات ومعطيات شديدة الحيادية، وبالتالي ستكون أكثر عقلانية ورشادة من البشر. الأمر الذي يرشحها بقوة للاضطلاع بمهام استشارية وأدوار استرشادية في مختلف المجالات، خصوصاً على مستوى صنع القرار ورسم السياسات وتحديد الأولويات.
ولكن في المقابل هناك وجه سلبي وهو متوقع، حيث إن تلك العقول الخارقة قادرة على فعل أي شيء ودون سقف لأفكارها وبالتالي لطموحاتها. فلا ضمانة أن تظل تلعب دور المساعد أو الخادم الأمين الرشيد للبشر، ولا تتمرد وتطالب أو حتى تبادر إلى التفكير والتصرف ككائن مستقل له إرادة وصاحب قرار.
بجانب الكتب وقضايا النشر فإن التفكير في المستقبل وفي الأسئلة الحضارية الكبرى مثل مستقبل تطبيقات ونتائج الذكاء الاصطناعي هو جزء من الأدوار التي ينبغي إضافتها في هكذا محافل.
ويبقى دائماً ونحن نثير مثل هذه الأفكار والمبادرات عربياً أن نتذكر أن في عالمنا العربي دولة لم تجلس ضمن مقاعد المتفرجين على التطور العالمي المتسارع في هذا المجال، وإنما كانت منذ اللحظة الأولى جزءاً منه وصاحبة مبادرات غير مسبوقة فيه. لذا فحين يتطور الروبوت ويصير شبه إنسان، سيعرف جيداً الثقافة العربية وربما يرتدي الغترة الخليجية ولن تستغرب إذا العربية بلهجة وروح إماراتية.