الإرهاب بتقنية الذكاء الاصطناعي
بات هاجس استخدام التنظيمات الإسلاموية المتطرفة للذكاء الاصطناعي أمرًا مقلقًا على أمن الأشخاص والدول، بل بات التفكير في تقنين هذه التكنولوجيا أمرًا بالغ الأهمية حتى نقلل من أثر الاستخدام السلبي للتكنولوجيا.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس لعلوم الفضاء، إيلون ماسك: سنحضر الشيطان أثناء تعاملنا مع هذه التقنية، في إشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، وربما عزز صاحب شركة مايكروسوفت هذا الشعر من خلال قوله: أشعر بالقلق إزاء استخدام الذكاء الخارق!
لا يوجد من يقف أمام التكنولوجيا أو يحد من استخدامها، لكننا مدعوون في النهاية إلى الوقوف أمام أضرارها المتوقعة أو تطويعها بما لا يضر بأمن الأشخاص أو الدول، حتى لا يتم استخدامها في تنفيذ عمليات إرهابية.
تعمل بعض التنظيمات المتطرفة على تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي لاستخدام هذه التكنولوجيا في تنفيذ العمليات الإرهابية عن بُعد، سواء من خلال التفجير أو حتى الاستهداف المباشر بالقتل وقد يكون من خلال الاغتيال المعنوي للأشخاص والهيئات والدول، وكل هذا يمكن صناعته عبر هذه التكنولوجيا وبطريقة تبدو آمنة بعض الشيء لهؤلاء المتطرفين وذات أثر فعّال في نفس الوقت.
التنظيمات المتطرفة انتبهت لأهمية التكنولوجيا في ممارسة النشاط الإرهابي، ولذلك استخدمت وما زالت الإنترنت العميق والمظلم في أعمال غير مشروعة، وهو ما يُطلق عليه "الديب ويب" أو "الدرك ويب"، مما يصعب تعقبه من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات، ويحقق في الوقت نفسه بعض الأمان لمستخدميه.
بعد سقوط دولة داعش في الرقة والموصل في 22 مارس/آذار من عام 2019 وكذلك دولة الإخوان بمصر في 30 يونيو/حزيران من عام 2013، اضطر هذان التنظيمان مع باقي التنظيمات المتطرفة التي تأثرت من المواجهة الفعالة للبحث عن بدائل للتواصل الآمن والفعال مع المستهدفين، وفي نفس الوقت البحث عن إمكانية تحقيق أهدافها العليا، من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي.
وهنا تبدو حروب ما بعد الجيل الرابع هي التحدي الأهم والأبرز في مواجهة التنظيمات الأكثر عنفاً التي لديها دراية باستخدام التكنولوجيا الحديثة، من خلال تطويع السيارات الحديثة ذاتية القيادة في تنفيذ عمليات إرهابية من خلال التفجير أو عبر عمليات دهس واسعة تودي بحياة المئات مرة واحدة.
تعكف التنظيمات المتطرفة على تطوير الاستخدام التقني الذكي لبعض الطائرات المسيرة من أجل تنفيذ عمليات إرهابية، وهنا تُحاول هذه التنظيمات التلاعب ببعض الطائرات والتحكم في سيرها بما يحقق بعضاً من أهدافها التي تتعلق بتهديد الأمن القومي، ما يتطلب أن تتفوق دول العالم في تطويع التكنولوجيا لصالحها لا لصالح التنظيمات المتطرفة.
التلقين الإلكتروني والهجمات السيبرانية من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات في ظل استخدام التنظيمات المتطرفة لتقنية الذكاء الاصطناعي، في شن هجمات على شبكات الكمبيوتر عن طريق اختراقها وإضافة معلومات كاذبة، مما يُهدد أمن الدولة، حيث يستهدف هؤلاء الأشخاص المؤسسات الرسمية والدول، بشكل يؤدي إلى تكدير الأمن العام ويُساعد على القيام بأعمال إرهابية أو على الأقل يوفر لها بيئة حاضنة.
الأخطر في استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي Chat GPT من قبل الجماعات المتطرفة ما يُطلق عليه التلقين الإلكتروني أو المحادثة التي يُجريها عدد من الروبوتات مع مستهدفين جدد لهذه التنظيمات، وهنا يقع التأثير المباشر على هؤلاء المستهدفين فيصبحون عرضة للتوجيه المباشر أو ما يعرف بغسل الأدمغة.
الروبوتات المشار إليها لديها قدرة كبيرة على فهم المستهدفين من خلال المحادثات، كما أن قدرتها على طرح الأسئلة والحصول على المعلومات ستُساعدها بصورة أكبر على التفاعل مع المتطرفين المحتملين، والأخطر أنّ هذه الروبوتات لديها قدرة أكبر على تحليل خطاب الفئة المستهدفة ومن ثم التعامل معها بالصورة التي تُحقق الهدف من تجنيدهم.
التواصل عبر الروبوتات له بُعدان؛ الأول أنه لا يقتصر على الإرهابيين المحتملين وإنما يشمل معتادي الإجرام والإرهاب والمتطرف، وقد يكون الهدف من وراء استخدام هذا الذكاء هو إدارة محادثات الهدف منها التوجيه لعمليات إرهابية، وهذا هو البعد الثاني.
يقوم الذكاء الاصطناعي عبر بعض التطبيقات المعقدة بمهام قد يفشل فيها البشر، إذ إن أغلب الدراسات أكدت أن نتائج استخدام هذه الروبوتات يفوق نتائج إدارة بعض المحادثات المباشرة دون وسيط مع الأشخاص المستهدفين، وهذا ليس عيبًا في التكنولوجيا، لكنه قد يكون شكل الاستخدام السلبي لها، ما يتطلب الانتباه والوقوف أمام الاستثمار في هذه المساحة، بل وتطويع الذكاء الاصطناعي في مواجهة الأفكار والتنظيمات معًا.
فمع الثورة التكنولوجية الهائلة للذكاء الاصطناعي لا بد أن يكون التفكير منصبًا على وضع ضوابط للاستخدام بحيث يمكنه مواجهة التحديات القاتلة التي تحققها هذه الثورة.
هذه الضوابط قد تكون تشريعية أو مرتبطة بتصنيع التكنولوجيا وإنتاجها، مع ضرورة اتباع قواعد الشفافية من خلال الكشف عن العاملين في هذه التقنيات.
الأمر هنا لا يرتبط بالحد من استخدام هذه التكنولوجيا، لكن لا أن تكون هناك رقابة تعوق استخدامها في غير موضعها، من قبل التنظيمات المتطرفة.
الأمر يرتبط فقط بتنظيم الاستخدام بما يفيد البشرية لا أن يعوق الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا التي يحتاجها العالم، وبات العمل عليها أحد أهم أولويات المستقبل، وهنا يبدو دور أجهزة المراقبة التكنولوجية والتي تقف أمام أي استخدام غير آمن لهذه التكنولوجيا أو يضر بالبشرية.
الإرهاب يحتاج إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للهروب من الملاحقة الأمنية ولمواجهة التحديات التي تقف أمامه، حيث بات الأضعف في ظل مواجهة الحكومات له، وبالتالي يحقق هذا الذكاء نتائج أكثر أمانًا وفي نفس الوقت يحفظ نفسه من الملاحقة والتعقب الأمني، فالذكاء يتيح للمتطرف إدارة عملياته الإرهابية بتحقيق نسبة أمان عالية.
وهنا لا بد أن يقفز المجتمع الدولي على فكرة الاستخدام الأمثل للثورة الصناعية والتكنولوجية الهائلة والممثلة في الإنتاج الجديد للذكاء الاصطناعي إلى استخدام هذا الذكاء في مواجهة أكثر فاعلية للإرهاب والتطرف ومنع استخدام تقنياته بما يهدد أمن الأشخاص والبلاد.