هل يتجه العالم نحو إحياء الإمبراطوريات؟
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
الظروف مهيأة لذلك، لكن أكبر البنوك المركزية في العالم تنجح حتى الآن في تأخير انهيار هرم الديون العالمية بإصدار مبالغ ضخمة من الأموال غير المغطاة.
ومع ذلك، فانهيار الدولار والعولمة هو أمر لا مفر منه، وكذلك التضخم العالمي المفرط، والذي سيؤدي إلى توقف مؤقت في التجارة العالمية، وتفكك أطول، وفي بعض الحالات، غير قابل للإصلاح لسلاسل التكنولوجيا العالمية.
في ظل هذه الظروف، لن تنجو سوى الاقتصادات والدول الكبيرة، والتي ستكون قادرة على إنشاء أنظمة اقتصادية كاملة ومغلقة. ستفقد الدول المتبقية، ومعظمها دول صغيرة، عملاتها الخاصة، وفي كثير من الحالات، السيادة و/أو بنية الدولة، وسوف تنضم إمّا إلى دول كبيرة أكثر نجاحاً أو تصبح كالصومال مثلاً.
بعد انهيار النظام المالي العالمي، سيعود العالم لعدة عقود إلى وضع القرن التاسع عشر، بلا عولمة، مع اقتصادات أكثر عزلة بكثير، بينما سياسياً ستعود الإمبراطوريات. انظر إلى خريطة العالم في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يوجد عدد أقل بكثير من الدول في العالم. هذا ما يمكن أن نراه خلال 10-15 عاماً.
من حيث المبدأ، أصبحت بذور هذا العالم الجديد موجودة بالفعل، فقد تخلّت زمبابوي وعدد من البلدان الأخرى فعلياً عن عملاتها. كذلك توجد الآن دول بلا سيادة. من بين الأمثلة، بصراحة، نصف دول العالم، وربما معظمها، حيث تتخذ أهم القرارات لا في العواصم المحلية لهذه البلدان، وإنما في واشنطن. ومع ذلك، فإن معظم هذه البلدان لديها مؤسسات تشكّل ديكور الدولة من برلمان وحكومة ورئيس وسفارات وغيرها.
ومع ذلك، ففي حالات الأزمات الشديدة، سوف تطير كل هذه القشور، وسوف يتم تبسيط نظام الحكم إلى حد كبير. وبعد انهيار الحكومات، ستنشأ السلطات المحلية من الأسفل، حيث أدنى المستويات، ومستوى القبيلة أو القرية. بالتوازي، ستبسط الدول الكبيرة المجاورة المتبقية سلطتها تدريجياً على أراضي هذه الدول.
إننا نرى أمامنا بالفعل عملية تبسيط نظام الإدارة هذه. فالقوى الناعمة، والدعاية، ونظام التحالفات، وكل هذه الأدوات الدقيقة والمعقدة، والتي كانت تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية، تتوقف عن العمل. وتضطر واشنطن بشكل متزايد إلى اللجوء إلى الدكتاتورية الوحشية والعنف. وبنفس الطريقة، تنعكس أزمة النظام الحالي في العلاقات الدولية، بينما تصبح مراكز القوة أقل ميلاً إلى الحديث مع التوابع والوكلاء، وتفضل الحديث مباشرة مع الأسياد أصحاب القرار.
يمكننا أن نرى ذلك بوضوح تام في أوكرانيا، حيث لم يعد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يضيع وقته مع الدمية الأمريكية، الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في مناقشة الأزمة الأوكرانية، بينما يفضل الحديث مباشرة مع واشنطن وبرلين وباريس. الأمر نفسه ينطبق على الأزمة الدبلوماسية بين روسيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا ودول البلطيق التي انضمت إليها.
في روما القديمة، كان هناك نوع خاص من المحاربين في الجيش الروماني، يسمون "الفيليتز" Velites، من مقاتلي المناوشة بعدد من الحراب الخفيفة، وهم الجنود الأكثر فقراً وأقل عمراً وخبرةً في الجيش، وكانوا يتصدّرون المعارك، وعادة كانوا أول من يموتون، لهذا كان اختيارهم من أقل فئات المجتمع الروماني شأناً. هذا ما نراه ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث أطلقت واشنطن العنان لمناوشيها من "الفيليتز" الأقل قيمة للانخراط في المعركة.
لن أتفاجأ إذا قطعت روسيا ببساطة علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية التشيك، إذا ما تصاعدت الأزمة مستقبلاً، لما يتطلبه الحديث معها من موارد بلا طائل، فالتشيك تتصرف كعامل للتغيير، حيث تقوم بإزالة نفسها بسرعة وطواعية من نظام العلاقات الدولية.
ولدعوات التشيك بطرد الدبلوماسيين الروس، استجابت كيانات أخرى، تتظاهر بكونها دول، هي سلوفاكيا ودول البلطيق. لكن، إذا تدهورت علاقات روسيا مع الغرب أكثر، فلا أستبعد أن تنتشر مثل هذه الممارسات على نطاق أوسع. مرة أخرى، سيكون الانتحاريون المدججون بأسلحة خفيفة هم من يتقدم المعركة الدبلوماسية، وأول من يسقط فيها.