أسعار العملات

دولار / شيكل 3.29
دينار / شيكل 4.64
جنيه مصري / شيكل 0.21
ريال سعودي / شيكل 0.88
يورو / شيكل 3.92
حالة الطقس

القدس / فلسطين

الاثنين 24.75 C

حُّرية التعبير: حق أساسي عالمي ولكنه ليس مُطلق

أرشيفية

أرشيفية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

أصبحت حُرّية التعبير التي تم تكريسها رسمياً في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، والذي تم تَبَنّيه في عام 1948، العنصر الأكثر إثارة للجدل في الديمقراطية التمثيلية الحديثة على الصعيد العالمي. وفي الوقت الذي يتعرض فيه هذا الحق الإنساني الأساسي للتهديد في عدد مُتزايد من البلدان، تُختَبَر حدوده في بلدان أخرى. وكما تكتب الباحثة يانينا ويلب من المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية، فقد وصلنا إلى مفترق طرق حَرج.

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر 1948، على أن "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِّيته في اعتناق الآراء دون أي تَدَخّل، وفي استقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها ونَقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". (المادة 19).

بالتالي، فإن حرية التعبير تعني قُدرة الفَرد أو المجموعة على التعبير عن مُعتقداتهم وأفكارهم ومشاعِرِهِم حول قضايا مُختلفة دون خوف من الرقابة. لكن ما هو نطاق الحقّ في حرية التعبير؟ وهل هو حق مُطلَق؟ من الواضح انه ليس كذلك.

من الأمثلة الحديثة على ذلك، كان الاستفتاء على حدود حرّية التعبير الذي شهدته سويسرا يوم التاسع من فبراير 2020، عندما أيد الناخبون السويسريون بأغلبية حاسمة (بنسبة 63,1% مقابل 36,9%)، اقتراحاً لإضافة نصٍّ لاستكمال المادة 26 مكرر 1 من قانون العقوبات (المناهض للعنصرية الذي كان نافذاً حتى ذلك الحين)، يُجَرِّم التمييز ضد المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحولين والمُتحررين جنسياً (يُرمز إليهم اختصارا بـ LGBTIQ) بسبب اختلاف ميولهم الجنسية. وكان استفتاء آخر أجري في عام 1994 قد قَضى بالفعل بأن رهاب المثلية الجنسية (أو الهوموفوبيا) هو جريمة وليست مسألة رأي في الوقت نفسه، تُظهِر مصادر وتصنيفات مختلفة أن وسائل الإعلام السويسرية لا تخضع للتدخلات التحريرية أوالحكومية؛ لكنها مُطالبة مع ذلك بالالتزام بقانون العقوبات، الذي يَحظَر الخطاب العُنصري أو المُعادي للسامية أوالخطاب المُعادي للمثليين.

رغم ذلك، ظهرت هناك تحدّيات خلال فترة الوباء، من أشكال جديدة من ثقافة الإنكار التي تروجها مجموعات مناهضة للعِلم واللقاحات من جهة، ومن الأشخاص الذين يشعرون أن الحكومات إنما تستغل الوباء لِفَرض المزيد من السيطرة وكَبْت الممارسات الديمقراطية" من جهة أخرى.

الادّعاء الأخير يأتي من  جمعية "أصدقاء الدستور" في سويسرا. وقد قام هؤلاء في الخريف الماضي بِجَمع توقيعات للطَعن في "قانون كوفيد" لعام 2020، الذي وضعته الحكومة والبرلمان السويسري لإدارة الاستجابة لفيروس كوفيد -19. ومن المُرَجَّح أن يكون التصويت المُزمع إجراؤه في 13 يونيو المقبل هو الحالة الوحيدة في العالم التي سيتمكن فيها الناخبون من اتخاذ قرار مُلزِم مباشر بشأن كيفية استجابة سلطات بلادهم للوباء.

ركيزة للديمقراطية الحديثة

بالتالي، فإن حرية التعبير هي حق أساسي ولكنها ليست حقاً مطلقاً. كما أنها ركيزة من ركائز الديمقراطية الحديثة أيضاً.

هذا الحق مُعترف به في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، الذي تم إقراره في 15 ديسمبر 1791، والذي يضمن أنه "لا يجوز للكونغرَس إصدار أي قانون يتعلق بإقامة دين أو يَحظر ممارسته بحرية؛ أو يُقَيّيد حُرية التعبير أو حرية الصحافة؛ أو حَقّ الشعب في التجَمُّع السِلمي وتقديم التماس إلى الحكومة من أجل إنصاف المظالم". وفي حينها، كان الهدف الرئيسي للتعديل الذي تم التأكيد عليه من قبل توماس جيفرسون [الرئيس الثالث للولايات المتحدة]، هو بناء "جدار بين الكنيسة والدولة". وبمرور الوقت، أصبحت حرية الإعلام والتعبير مُكوناً أساسياً للأنظمة الديمقراطية، لأنها تعكس مدى انفتاح النظام السياسي وسماحه بمراقبة ادائِه واستعداده للخضوع للمساءَلة.

لكن حرية التعبير أصبحت مُهددة بشكل مُتزايد في الآونة الأخيرة. فمن ناحية، يتزايد عدد الحُكّام المُستبدّين في جميع أنحاء العالم، ومعهم الملاحقات القضائية لوسائل الإعلام المُستقلة والناشطين الاجتماعيين. ومن ناحية أخرى، يفرض الحجم والتأثير المُتزايد لشركات التكنولوجيا الكبرى تحديات جديدة للأنظمة الديمقراطية القائمة. وقد تَجَسَّد مزيج هذين التحديين - القادة ذوو الميول الاستبدادية ووسائل الإعلام الحديثة - كُلّية من قِبَل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

لكن قرار موقعي ‘تويتر’ و‘فيسبوك’ للتواصل الاجتماعي إغلاق حساب ترامب تَرَكَ أيضاً أسئلة مُهمة دون إجابات. مثلاً: "هل ينبغي أن تكون الشركات الخاصة مسؤولة عن التَحَكُّم في الخطاب غير المقبول؟ ما هو الحَد الفاصل بين خطاب الكراهية وحُرّية التعبير؟ وهل تؤدي الشركات الإعلامية إلى تآكل حرية الصحافة التَعَدُّدية والمُستقلة؟

تحت الضغط

في عام 2021، كانت العديد من دول مجموعة العشرين، بما في ذلك البرازيل والهند وتركيا، من بين البلدان التي تشهد تراجعاً في الديمقراطية أو تحولاً إلى نظام استبدادي. ومن الملاحظ أن بولندا تحتل الصدارة في هذا السباق المُريب. وبِحَسب الأرقام الصادرة عن معهد أنواع الديمقراطية المُستقل للأبحاث الذي يقع مقره في جامعة غوتنبرغ (السويد)، يعيش 68% من سكان العالم (في 87 دولة) الآن في ظل أنظمة استبدادية. وعلى سبيل المثال، تراجعت الهند البالغ عدد سكانها 1,37 مليار نسمة مؤخراً من "أكبر ديمقراطية في العالم" إلى "أوتوقراطية انتخابية". وكانت التهديدات لِحُرّية الإعلام والأوساط الأكاديمية والمُجتمع المَدَني من العوامل الأكثر أهمية التي أدت إلى تآكل ديمقراطية الهند.

في غضون ذلك، تراجع عدد الديمقراطيات الليبرالية من 41 في عام 2010 إلى 32 في عام 2020، وهي اليوم موطن لـ 14% من سكان العالم فقط. وتمثل الديمقراطيات الانتخابية 60 بلداً ونسبة الـ 19% المتبقية من سكان العالم.

بشكل عام، فإن النَمَط الذي تَتَّبِعه الأنظمة الاستبدادية الطموحة يَتَشابه في خطوطه العريضة، حيث "تبدأ السُلطة الحاكمة بمُهاجمة وسائل الإعلام والمجتمع المدني، وتقوم باستقطاب المُجتمعات من خلال ازدِراء المُعارضين ونَشر معلومات كاذبة، ثم تَسعى إلى تقويض الانتخابات".

في عامي 2018 و2019 اندَلَعَت احتجاجات غاضبة ملأت شوارع هونغ كونغ كانت تطالب بالمزيد من الديمقراطية. لكن الشرطة الصينية رَدَّت بالاستخدام المُفرَط للقوة والقيود القانونية. وفي 30 يونيو 2020، أقرت أعلى هيئة تشريعية في الصين بالإجماع قانوناً جديداً للأمن القومي في هونغ كونغ، دخل حيز التنفيذ في الإقليم في نفس اليوم. وبموجب هذا القانون، لم يعد المواطنين أحراراً في التعبير عن أنفسهم. بدورهأ اتبعت روسيا مساراً قمعياً باعتقال وسَجْن زعيم المعارضة أليكسي نافالني - بعد محاولة فاشلة لقتله. وكانت الحكومة السويسرية قد انضمت إلى الدعوات الدولية المُطالِبة بـ "الإفراج الفوري" عن نافالني.

على الصعيد العالمي، تتعرض حرية التعبير تحديداً لضغوط أيضاً. ووفقاً لـمعهد أنواع الديمقراطية، شهدت 32 دولة تراجعاً كبيراً في هذه الركيزة الديمقراطية في العام الماضي. وبالمُقارنة، كان عدد هذه الدول قبل ثلاث سنوات 19 "فقط". وعلى مَدى العقد الماضي، كانت ثمانية من المؤشرات الديمقراطية العشرة الأكثر تراجُعاً مُرتبطة بِحُرّية التَعبير.

الشعبوية غير الليبرالية كدليل على الإرهاق

يوجد هناك أيضاً اتجاه عالمي يَستَحق المَزيد من الاهتمام عندما يتعلق الأمر بالصعود الأخير للقادة الشعبويين غير الليبراليين في مختلف أنحاء العالم؛ فظهور الشعبوية هو عَرَض - وهو من أعراض الإرهاق بالذات. وعلى سبيل المثال، كانت التفاوتات الهيكلية في العديد من البلدان - لا سيما في النظام السياسي الأمريكي - بالإضافة إلى تنامي العنصرية (ككبش فداء لعدم المساواة) هي العوامل المُحَرِّكة لشعبية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

لِمُواجهة هذا الاتجاه المناهض للديمقراطية، ليس من المنطقي حَجب هؤلاء القادة وهذه الأحزاب. بدلاً من ذلك ينبغي التصدي لخطابهم ديمقراطياً، من خلال تقديم بدائِل عن طريق المواطنة النّشِطة والمَزيد من الديمقراطية. وعندما يشعر النظام السياسي أنه غير قادِر على توفير ما يكفي من الرعاية الاجتماعية أو حماية حقوق الإنسان، فإن خطاب الكراهية سوف يُساعد على تعبئة الناخبين. ويكمُن وراءَ ذلك عَجز القادة والنظام عن الاستجابة لِمَطالب السُكان وإثبات قُدرة سياستهم على تَغيير الأمور.

ولكن كيف يُمكن للسياسة أن تُغَيِّر الأشياء؟ الإجابة تكمُن في تَمكين المُشاركة الديمقراطية، وتَحسين ظروف تكوين الرأي العام ومُمارسة الحقوق السياسية. وبعبارة أخرى، لا توجد هناك ديمقراطية بدون حُرّية التعبير.

 

 

 

 

اقرأ أيضا