خامنئي يحمي الصفقة.. ويحتوي عاصفة ظريف
كتب: مهند الحاج علي
في خطابه الأخير، وهو أول تعليق له على الكلام المسرب لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، أظهر مرشد الثورة الاسلامية علي خامنئي ليونةً حيال المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن من خلال تأكيده الانسجام في صناعة السياسة الخارجية الايرانية على مستوى القيادة العليا.
"سياسة البلاد تتكوّن من برامج اقتصادية وعسكرية واجتماعية وعلمية وثقافية، وسياسة خارجية أيضاً", وفقاً لخامنئي، و"يجب أن تسيرهذه الأجزاء معاً، وإنكار أي من هذه الأجزاء خطأ كبير، وهو ما لا ينبغي أن يصدر عن مسؤولي البلاد". صحيح أن هناك نقداً واضحاً ومباشراً في خطاب المرشد لكلام ظريف، كونه "تكراراً للخطاب العدائي من الأعداء وأمريكا". لكن كلام المرشد عن صنع السياسة الخارجية بالتعاون مع الوزارة ولكن على مستويات عليا، يجعل من ظريف أداة تنفيذية لخامنئي نفسه. ذلك أن نقد ظريف في التسريبات، دور قائد فرقة القدس سابقاً قاسم سليماني في السياسة الخارجية، موجه بشكل غير مباشر للمرشد. خامنئي هو المايسترو وصاحب الكلمة الفصل في إدارة العلاقات بين الاجنحة المختلفة في الدولة، وأيضاً احتواء الصراع بينها وحسمه إما من خلال التوفيق بين وجهات النظر المختلفة أو عبر حسم الاتجاه لمصلحة طرف دون آخر.
لهذا فإن نقد كلام ظريف ضروري بالنسبة للمرشد، بما أن السكوت عنه سيكون علامة رضى، وهو غير قادر على ذلك، سيما أن بعض السهام طال قاسم سليماني، احدى الأيقونات المقدسة للنظام. لكن المرشد يجعلنا نرى ظريف مغفلاً لا إراديًا، وكأنه لاعب كرة قدم يُسجّل هدفاً في مرماه. لكنه يبقى نقداً مباشراً، على عكس كلام إسحق جهانكير، نائب رئيس الجمهورية الايراني الذي وجه سهامه لاعداء ايران واتهمهم بالتسريب لتخريب المفاوضات النووية. وكلام جهانكير هو الاسلوب الانسب عادة لتجاوز الموضوع دون الدخول في نقاش حول المضمون. لهذا، كان خطاب خامنئي حلاً وسطاً بين من يعارض الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته وسياسة التفاوض مع الجانب الاميركي، من جهة، وبين الإصلاحيين، من جهة ثانية.
وكلام خامنئي عن الاقتصاد وضرورة ايجاد فرص العمل في الخطاب ذاته، مرتبط بالرغبة في فك الحصار الاقتصادي، ومعالجة الأزمة بشكل نهائي، بما أن الوضع المحلي لا يحتمل أي تأجيل طويل الأمد. بعيداً عن الكلام الايديولوجي، ليست ايران قادرة على الاستمرار لسنوات دون الحصول على عملات صعبة واستئناف بيع النفط بأسعار السوق ودون تهريب.
وبالامكان أيضاً النظر الى خطاب خامنئي بصفته انحيازاً للتفاوض والمقاربة الحالية للسياسة الخارجية، في مقابل نقد المحافظين ومنهم الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، مسار المحادثات النووية ومقارنتها بعهد فتح علي شاه قبل قرنين ونيف من الزمن، وهي حقبة حافلة بالهزائم والتنازلات في تاريخ ايران.
لكن طول أمد المفاوضات، وهو متوقع، ستكون له انعكاسات سياسية ومنها في الانتخابات الرئاسية بعد شهر ونصف، سيما ان اسرائيل ماضية في حربها السرية، كما بدا واضحاً من تسريبات الاجتماع الأخير بين مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان ورئيس الموساد الاسرائيلي يوسي كوهين. الرئيس الأميركي حضر جانباً من اللقاء وابلغ كوهين بأن الاتفاق ليس قريباً، بحسب مراسل موقع "اكسيوس" الأميركي. إلا أن الجانب الاسرائيلي لم يقدم تعهدات حيال مسار حربه السرية مع الجانب الايراني والارجح أن عمليات التخريب لن تتوقف في ظل الفرص المتاحة حالياً.
الواقع أن لاسرائيل وحلفائها في المنطقة خطاً موازياً للسياسة الاميركية، وأحياناً متضارباً معها، وهذا منفصل عن المسار السعودي الايراني، والتركي والروسي أيضاً. صرنا في عالم متعدد الأقطاب الاقليمية حيث التوافق شبه مستحيل او موقت في احسن الاحوال. ودولة مثل ايران قادرة على الاستدارة في اتجاه الحفاظ على مصلحتها ومصير نظامها، لكن الدول الضعيفة مثل لبنان، هي كفاقد المناعة في زمن الجائحة والاوبئة.
الوهن والضعف والمرض عوارض دائمة علينا ألا نتوقع سواها في ظل غياب السياسة وعناصر القوة.