القدس وفرصة الانتفاضة
كتب: حسام كنفاني
كانت القدس المحتلة، وما تزال، محوراً أساسياً من محاور القضية الفلسطينية، وما تتعرّض له اليوم من اعتداءاتٍ إسرائيلية ومحاولات تهجير أهاليها تذكر بمشاهد النكبة، وللمفارقة هي تأتي مع الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة، ما يشكّل فرصة للفلسطينيين بشكل عام، والسلطة بشكل خاص، لإعادة الاعتبار للقضية، والخروج بها مما تعيشه من أزمات، سواء ما يتعلق بالحالة السياسية العامة، أو بما يمكن تسميتها "المؤسسات الرسمية".
لا يمكن الجدال اليوم بأن القضية الفلسطينية تعيش أسوأ أوضاعها، ولا سيما بعد تراجعها في قائمة الأولويات السياسية العامة، ليس بالنسبة إلى الدول الغربية فحسب، والتي من المفترض أن تكون الفاعل الأساسي في الملف، بل بالنسبة إلى الدول العربية أيضاً، على الصعيدين الرسمي والشعبي، بعدما تقدّمت قضايا أخرى وصراعات أخرى، لا تزال مشتعلة، على القضية الفلسطينية، إضافة إلى انضمام بعض الدول العربية إلى قطار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أسقط القضية من الحسابات الرسمية.
هبّة القدس اليوم في وجه الاحتلال تمثل فرصة لإعادة توجيه البوصلة إلى واقع الاحتلال، وهو ما يحتاجه الفلسطينيون بشدّة اليوم، شعبياً ورسمياً، ولا بد من توظيفه لتسليط الضوء على ممارسات الاحتلال، ليس في القدس وحدها، بل في مجمل الأراضي الفلسطينية، واسترجاع الاهتمام العربي والدولي بالقضية. الأمر الذي بدأنا نشهده على المستوى الشعبي، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما لا يجب أن يكون موسمياً على غرار حملات الدعم التي تشهدها قضايا كثيرة، ثم ما تلبث أن تختفي بعد فترة وجيزة. الشيء نفسه يحصل على المستوى الرسمي، الغربي بشكل خاص، إذ بدأنا نقرأ إدانات وانتقادات، أوروبية بالأساس، لمحاولات إسرائيل تهجير أبناء حي الشيخ جرّاح، وهو ما غاب كلياً خلال السنوات الماضية، وخصوصاً في فترة حكم دونالد ترامب، حين بدا أن القضية الفلسطينية أسقطت كلياً من الأجندة الدولية.
على السلطة الفلسطينية اليوم واجب دعم الحراك الذي يحدث في القدس المحتلة، وربما إيصاله إلى حدود الانتفاضة الشعبية العامة، ليس بالضرورة المسلحة التي يبغضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. انتفاضة أو هبّة، أو أي مسمّى آخر، من شأنها أن تجذّر عودة القضية الفلسطينية إلى محور الاهتمام العالمي بالدرجة الأولى، وتعيد تدوير ماكينة البحث عن الحلول بالمفهوم الذي يريده عباس، وبالتالي تحقق له "حلم" العودة إلى المفاوضات، والذي راهن عليه مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة، لكنه فشل. الأمر نفسه على الصعيد العربي، إذ ستسمح الانتفاضة للسلطة باستعادة مكانتها عربياً، بعدما عاشت حصاراً من بعض الدول العربية خلال السنوات الماضية، وتحديداً أيضاً في عهد ترامب وانضمامها ضمنياً إلى ما سميت "صفقة القرن".
كذلك إن احتجاجات القدس فرصة لا يجب تفويتها لاستعادة اللّحمة الفلسطينية، والأمر ليس له علاقة بحركتي فتح وحماس فقط، بل حتى بما حدث داخل "فتح" خلال الفترة الماضية. من المفترض أن يرى أبو مازن أن تطوير ما يحدث في القدس ودعمه، واتخاذ الموقف المناسب منه، يمثل باباً لرأب الصدع داخل "فتح" الذي أحدثه الخلاف حول الانتخابات التشريعية والرئاسية. وعلى الصعيد الفصائلي العام أيضاً، وفي ظل التوافق العام السابق الذي حدث في الصيف الماضي على "تفعيل المقاومة الشعبية"، وهو ما لم يحدُث، فإن الوضع في القدس اليوم مناسبة لتطبيق هذا التفعيل، والسير مجدّداً على طريق إنهاء الانقسام، إذا كانت هناك جدّية فعلاً للقيام بذلك، سواء بالنسبة إلى "حماس" أو "فتح".
على الرغم من ذلك كله، وبحسب معرفتنا باستراتيجيات الرئيس الفلسطيني، وحتى بعض الفصائل الأخرى، سيكون الرهان على استغلال هذا الظرف خاسراً، وبالتالي ستكون هبّة القدس فرصة فلسطينية جديدة ضائعة.