بعد وقف إطلاق النار.. هل تكفي صلوات بايدن؟
أعلنت الخارجية الروسية عن ترحيبها بوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية
وأعربت عن أملها في أن يتم احترام وقف الأعمال العدائية، بما يهيئ الظروف لحل المشكلات الإنسانية وإعادة إعمار البنية التحتية المدمّرة.
من جانبها، أعلنت حركة حماس، خلال احتفال، شارك فيه الآلاف من أنصارها في مدينة غزة تحقيق "الانتصار" على إسرائيل، بينما أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أن حركته وبقية الفصائل الفلسطينية وجّهت "ضربة قاسية ستترك آثارها المؤلمة على إسرائيل ومستقبلها"، وأن المقاومة "أسقطت صفقة القرن ومشاريع التوطين والتطبيع مع الاحتلال، وثقافة الهزيمة، والتعايش مع الاحتلال".
من ناحية أخرى، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن العملية الأخيرة في قطاع غزة توّجت بـ "نجاح منقطع النظير"، وأسفرت عن توجيه "ضربة قوية" إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وتابع نتنياهو أن حماس "جلبت لنفسها دماراً كبيراً، أعادهم سنوات طويلة إلى الوراء".
شمالاً في أيسلندا، وعلى الحافة وسط المحيط الأطلسي، التقى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، على هامش انعقاد مجلس المنطقة القطبية الشمالية في العاصمة ريكيافيك. استمر اللقاء أكثر من الوقت المتوقع، ودعا فيه الوزير الروسي زميله الأمريكي إلى التعاون وإجراء حوار "صادق" يقوم على "الاحترام المتبادل"، وأشار الوزيران إلى وجود عدة مجالات يمكن الاتفاق بشأنها، مثل المناخ، ومكافحة الجائحة، وكذلك ملفات أفغانستان وكوريا الشمالية والملف النووي الإيراني.
تعليقاً على الاجتماع، الذي وصفه لافروف بـ "البنّاء"، قال بلينكن: "نحن نبحث عن علاقة مستقرة، يمكن التنبؤ بها، مع روسيا. ونعتقد أن هذا جيد لشعبنا، وللشعب الروسي، ومفيد حقاً للعالم". لكنه أضاف أن الولايات المتحدة سوف "ترد" إذا ما "تصرفت روسيا بعدائية ضدنا أو ضد شركائنا أو حلفائنا".
من جهته أعرب لافروف عن استعداد بلاده "لمناقشة كل الأمور، بلا استثناء، شريطة أن يكون النقاش صادقاً"، "وأن يقوم على الاحترام المتبادل". وتابع وزير الخارجية الروسي أنه على الرغم من اخلاف النهجين الروسي والأمريكي فيما يتعلق بتحليل الوضع على الساحة الدولية، إلا أن "الأمر الأكثر أهمية هو محاولة استخدام الإمكانات الدبلوماسية إلى أقصى حد". وأشار إلى أنه يقدّر بشدة "إظهار إرادة" الجانب الأمريكي بهذا الصدد، ووعد بالمعاملة بالمثل.
في الأيام التالية مباشرة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات على 3 شركات و13 سفينة مشاركة في بناء خط أنابيب "السيل الشمالي-2" لضخ الغاز الروسي إلى ألمانيا. إلا أن الإدارة الأمريكية كانت قد قررت إعفاء شركة "السيل الشمالي-2 إيه جي" Nord Stream-2 AG الروسية الأوروبية المشتركة، المشرفة على تنفيذ مشروع خط الأنابيب، لـ "اعتبارات المصالح الوطنية".
هذا بالضبط ما حدث في المرة السابقة، بعد الاتصال الذي جرى بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي، جو بايدن، لتفرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على شخصيات ومؤسسات روسية في اليوم التالي للمكالمة الهاتفية، التي تسعى إلى التوصل إلى أرضية مشتركة.
عودة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أشار بايدن إلى أنه "يصلّي" كي يصمد وقف إطلاق النار، في الوقت الذي شدد فيه على أن حماس تعدّ "منظمة إرهابية"، لكنه قال إن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بمساعدة السكان المدنيين في قطاع غزة على إعادة البناء.
تقف الولايات المتحدة الأمريكية سداً منيعاً وراء أي محاولات روسية أو أوروبية للتكامل، وفتح آفاق اقتصادية، تحتمها الجغرافيا، بين أوروبا وآسيا مروراً بروسيا، الدولة الأكبر في العالم، وصاحبة أكبر كنز من الموارد الطبيعية والبشرية والتكنولوجية. يأتي ذلك في الوقت الذي سمح فيه المكتب الفدرالي للشحن والجغرافيا المائية بالاستمرار الفوري لبناء خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2"، وكان القنصل العام الألماني في مدينة يكاتيرينبورغ، ماتياس كروس، قد صرح للصحفيين مؤخراً أن ما تبقى من بناء خط الأنابيب هو 80 كلم فقط من أصل 2468 كلم، بمعنى أن ما اكتمل من "السيل الشمالي-2" فعلياً هو 96.8% من الخط.
تماماً كما تقف إسرائيل سداً منيعاً أمام أي محاولات دولية لاستئناف مفاوضات الحل النهائي، وإعادة ما تم اغتصابه من أراضٍ عربية، وتتذرع تارة بالإرهاب، وتارة أخرى بالانقسام الفلسطيني، وتارة ثالثة بما أسقط في الأيام السابقة من "صفقة القرن"، وغيرها من مشاريع التطبيع المجانية العربية.
تقف الولايات المتحدة الأمريكية سداً منيعاً أمام أي محاولات للتقارب بين روسيا والمنطقة العربية، سواء في مجال المنفعة الاقتصادية المتبادلة على المستوى العسكري أو في مجالات الطاقة، لما يتعارض ذلك مع المصالح والأطماع الأمريكية في المنطقة، والأهم من ذلك كله، هو شلّ عمل الرباعية الدولية، والالتفاف حول الشرعية الدولية وقوانين مجلس الأمن من خلال "أوسلو" وأخواتها، والتفرّد بضمانات وهمية، لا تسمن من جوع، ولا تؤدي سوى إلى تفاقم للأزمة، ومزيد من الغطرسة والعجرفة والإجرام الإسرائيلي، والسياسيات الاستيطانية التوسعية الصهيونية، التي لم تتوقف يوماً منذ إنشاء عصابات "الهاغاناه" العسكرية الصهيونية مطلع القرن العشرين. نفس العصابة/المنظمة، التي تحوّلت فيما بعد لتصبح "جيش الدفاع الإسرائيلي"، نفس المنظمة الإرهابية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني مجازر دير ياسين، واقتحام قرية بلدة الشيخ التي استشهد فيها 600، فضلاً عن اجتياح حيفا، وتهجير أغلبية سكانها في 1948، نفس المنظمة التي أصبح قياديوها، مثل مناحيم بيغن، وموشيه ديان، وإسحق رابين، وشمعون بيريز يشغلون مناصب قيادية داخل المؤسستين العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
لقد ظنت إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية أن التطبيع مع بعض البلدان العربية، ومحاولات طمس ودفن القضية الفلسطينية، وتشويه مضمونها وجوهرها، وتحويل الأنظار عن النضال الشرعي للشعب الفلسطيني لتحرير الأراضي المحتلة، إلى قضايا "التطرف" و"الإرهاب" و"الإسلام السياسي"، سوف يضمن لإسرائيل غض نظر المجتمع الدولي عن توسعة المستوطنات، واغتصاب مزيد من الأراضي، وتهجير المزيد من السكان. إلا أن المقاومة الفلسطينية أثبتت اتساع دائرتها لتشمل الجميع، ولتشيع أجواء الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني من كل صوب وحدب، ومن كل الطوائف ومشارب الحياة. فالقضية واحدة، والهدف واحد.
تواجه روسيا مشكلات مشابهة، مع حليف أمريكي مستجد هو أوكرانيا، التي تحاول أن تدعي نفس ما تدعيه إسرائيل بشأن أحياء القدس الشرقية، فيما يخص شبه جزيرة القرم، التي انتقلت إلى روسيا إثر استفتاء شرعي لأغلبية كاسحة من السكان. تحاول أوكرانيا استفزاز روسيا، بنفس الحيل والألعاب التي يلعبونها مع منطقة الدونباس في شرق البلاد، والتي يقطنها حوالي 400 ألف مواطن يحملون الجنسية الروسية. ويقف الغرب متحدّياً المصالح الروسية، حتى ولو تعارض ذلك مع المصالح الاقتصادية الأوروبية، التي أنهكتها العقوبات الاقتصادية على روسيا بنفس القدر الذي أنهكت بها روسيا.
في الاجتماع المذكور بين لافروف وبلينكن، لم يقدم الوزير الأمريكي أي أدلة تثبت صحة اتهامات واشنطن المتعددة إلى موسكو في السنوات الأخيرة. بدلاً من ذلك، وفقاً للافروف، يقدّم الأمريكيون "أجوبة غريبة"، مفادها "إنكم تعرفون كل شيء بأنفسكم، وليس بإمكاننا الكشف عن أي شيء لأنه سري".
عقب الاجتماع، أقر وزير الخارجية الروسي بأن معالجة المشاكل المتراكمة في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب لن تكون مهمة سهلة.
كذلك لن تكون مهمة سهلة إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات، ولن تكون مهمة سهلة إعادة إعمار غزة. لكنها لن تكون مستحيلة كما أصبح من المستحيل استعادة حياة أكثر من 250 شهيد قضوا في الأحداث الأخيرة.
نأمل أن يحمل اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والأمريكي في يونيو المقبل بعض الأمل في بدء طريق إصلاح العلاقات وفتح الملفات الشائكة والمعقدة خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط الملتهبة للغاية.
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر