عملية "أمر لا يتصور".. خطة شيرشل السرية لمهاجمة الاتحاد السوفيتي
تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية مقالا يكشف تفاصيل مخطط مذهل لحرب كانت لندن مع الحلفاء الغربيين تنوي شنها ضد الاتحاد السوفيتي بعد شهرين من استسلام ألمانيا عام 1945.
وذكرت الصحيفة في تقرير مطول استند إلى وثائق الملف رقم CAB 120/691 الموجود في الأرشيف الوطني البريطاني، أن الخطة أبصرت النور عندما اعتقد رئيس الوزراء البريطاني وقتذاك وينستون شيرشل بعد مؤتمر يالطا في فبراير 1945، أن الزعيم السوفيتي يوسيف ستالين لا يعتزم التخلي عن السيطرة على دول شرق أوروبا، التي دخلتها القوات السوفيتية، وأنه مستعد للتراجع عن اتفاقات يالطا.
وفي بداية مايو 1945، بعد أيام قليلة من استيلاء الجيش الأحمر على برلين، أمر شيرشل طاقم التخطيط المشترك التابع له في وزارة الدفاع، بوضع "عملية أمر لا يتصور" (Operation Unthinkable)، وهي عبارة عن هجوم بري وجوي وبحري واسع النطاق على الاتحاد السوفيتي.
تم تصميم العملية على شكل توغل عسكري من قبل الحلفاء الغربيين في عمق الأراضي الخاضعة للسيطرة السوفيتية، بهدف فرض "إرادة الولايات المتحدة والإمبراطورية البريطانية" على الاتحاد السوفيتي. وكان المهندس الاستراتيجي للهجوم هو العميد جيفري طومسون، القائد السابق للمدفعية الملكية ذو الخبرة في مسرح العمليات في شرق أوروبا.
كانت مهمة طومسون هي التفكير في "ما لا يمكن تصوره": تنفيذ هجوم مفاجئ على القوات السوفيتية في غضون ثمانية أسابيع من الهدنة مع ألمانيا، وكانت خطته القتالية تقضي بتحرك كبير نحو برلين وما بعدها، على أن تدفع الفرق البريطانية والأمريكية الجيش الأحمر للتراجع إلى نهري أودر ونيسه، على بعد حوالي 55 ميلا شرق العاصمة الألمانية.
وحدد طومسون 1 يوليو 1945 موعدا لبدء الهجوم، وكان من المقرر أن تتبعه مواجهة حاسمة كبرى في منطقة ريفية قرب مدينة بيلا شمال غربي بولندا.
كان ذلك سيصبح صداما واسع النطاق بين القوات المدرعة، أكبر بكثير من معركة كورسك التي شارك فيها 6000 مركبة والتي تعتبرأكبر مواجهة بالدبابات في التاريخ.
كانت عملية "لا يتصور" لتشمل أكثر من 8000 دبابة من القوات الأمريكية والبريطانية والكندية والبولندية.
لكن نظرا لامتلاك الجيش السوفيتي 170 فرقة مقابل 47 فرقة للقوات البريطانية والأمريكية في مسرح العملية، أقر طومسون بضرورة إيجاد قوات إضافية، فتقدم باقتراح مثير للجدل بشدة هو إعادة تسليح وحدات من الجيش الألماني والأمن الخاص "إس إس" (شوتزشتافل)، ما كان سيضيف لقوات الحلفاء 10 فرق أخرى مجربة خلال الـ6 سنوات من الحرب.
وبتفاصيل مذهلة، حدد مخطط العملية التموضع الدقيق للقوات السوفيتية وقوات الحلفاء، إضافة إلى تضمنه مقترحات للقصف الجوي للاتصالات الاستراتيجية واستخدام الدعم التكتيكي للقوات البرية. كان من المقرر أيضا الاعتماد على التفوق البحري للحلفاء، مع الاستيلاء المبكر على ميناء ستيتين في البلطيق.
كما اعتقد طومسون أن وقف الصادرات إلى روسيا من الغرب من شأنه أن يشل الجيش الأحمر، إذ كان الاتحاد السوفيتي في عام 1945 يعتمد على توريدات من الولايات المتحدة للمتفجرات والمطاط والألمنيوم والنحاس، فضلا عن 50% من الكحول الإثيلي عالية الجودة للطائرات.
وحذر طومسون من امتلاك الجيش السوفيتي قيادة محنكة وقدرات قتالية كبيرة وأخبر تشرشل أنه "يجب أن نراهن على معركة ضخمة واحدة سنواجه خلالها مصاعب كبيرة".
كان كبير المستشارين العسكريين لرئيس الوزراء البريطاني الجنرال هاستينغز إسماي متشككا في خطة المعركة، وتحولت شكوكه إلى رعب صريح عندما قرأ عن اقتراح إعادة تسليح الجيش الألماني وقوات "إس إس".
وقال مستشار شيرشل إن مثل هذه السياسة "من المستحيل تماما على قادة الدول الديمقراطية حتى التفكير فيها". وذكّر زملائه العسكريين بأن الحكومة خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت تقول للشعب البريطاني إن الروس "قد قاموا بنصيب الأسد من القتال وتحملوا معاناة لا توصف"، وإن مهاجمة هؤلاء الحلفاء السابقين بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب سيكون "كارثية" من الناحية الأخلاقية.
وصدم المشير آلان بروك هو الآخر بالخطة، واعتبر اقتراح طومسون عملا في غاية الجنون. وكتب المشير نيابة عن رؤساء أركان في رسالة لتشرشل أنه "من وجهة نظرنا، ستكون قواتنا عاجزة عن تحقيق نجاح سريع.. وسننخرط في حرب طويلة الأمد محفوفة بصعاب شديدة"، مخلصا إلى أن "فرصة النجاح معدومة تماما".
معارضة رؤساء الأركان البريطانيين أدت إلى رفض المخطط رسميا في 8 يونيو 1945. وأعرب تشرشل عن أسفه على هذا الأمر، قائلا لأنتوني إيدن، وزير الخارجية آنذاك، إنه إذا لم توجه ضربة حاسمة لطموحات ستالين الإقليمية، فإنه لن يكون هناك إلا احتمالا ضئيل لتفادي الحرب العالمية الثالثة".
وحذر شيرشل من أن الجيش الأحمر "سيصبح قريبا قوة لا تقهر"، معتبرا أنه "في أي وقت حسب اختيارهم، يمكنهم السير عبر بقية أوروبا وإعادتنا إلى جزيرتنا".
لكن ذلك لن يغير موقف القيادة العسكرية ودفنت الخطة في ملف حكومي رمادي اللون يحمل عنوان "روسيا: تهديد للحضارة الغربية"، وبقى في هذا الملف حتى يومنا هذا، مع كل صفة في الوثيقة مختومة بالحبر الأحمر بكلمات "سري للغاية".
المصدر: The Telegraph