أميركا وفرنسا والفيروسات الإيرانية
كتب: هاني مسهور
مشهدان متقاطعان لا ينفصلان بينهما خيبة أمل تقاسمها المبعوث الأميركي إلى اليمن ثيموني ليندركينغ ووزير خارجية الجمهورية الفرنسية جان إيف لودريان فالرجلان غادرا صنعاء وبيروت يحملان خفي حنين.
فالمبادرة الفرنسية لمساعدة لبنان لم تجد الفرصة المواتية لتتحول لمشروع سياسي واعد يخلص الشعب اللبناني من حالة الانسداد السياسي وكذلك حدث مع المبعوث الأميركي إلى اليمن الذي حمل أمنيات إدارة الرئيس جو بايدن لتحقيق انتصار سياسي سريع يحسب للديمقراطيين أمام فريق يمني ضعيف يمكن الاعتقاد بأنه من الممكن استغلال حالته الظرفية لتحقيق مكتسبات دولية.
الفشل الأميركي والفرنسي يضع الجميع أمام قراءة ومقاربة مدهشة فهل يمكن توصيف ما حدث بأن الأميركيين والفرنسيين فقدوا كلمات المرور للدخول إلى لبنان واليمن؟ تبدو هذه مقاربة تتوافق مع التكنولوجيا الرقمية التي تمكنت من الدول والبشرية، ويبدو بأن عمليات (هكر) تمت في أنظمة لبنان واليمن وكذلك العراق وسوريا ونجحت عمليات القرصنة الإيرانية في اختراق الأنظمة السياسية وبات على الولايات المتحدة وفرنسا البحث عن عمليات قرصنة مضادة لاستعادة كلمات المرور مجدداً ليتمكنوا من دخول تلك الأنظمة.
أهالي الشرق الأوسط يعرفون تماماً بعمليات القرصنة الإيرانية فلقد شاهدوا بأنفسهم استيلاء إيران على أربعة عواصم عربية بدأت في بيروت ثم بغداد ثم دمشق ثم صنعاء وكادت عدن أن تكون الخامسة لولا أن أهلها عطلوا أنظمة التشغيل بعد استعانتهم بخبرات إماراتية وسعودية ساعدتهم في إدارة نظام التشغيل، ويمكن لرجل عدني أن يمد رجليه هنا ويقول إن ما حدث في عدن كان قضاء وقدر بانطفاء الكهرباء التي منحت النظام حالة السكون واحتفظت العاصمة المستهدفة خامساً من عملية قرصنة كادت أن تنجح.
الأميركيون والفرنسيون يشعرون بالتأكيد بخيبة أمل داخلية فلطالما كانت هذه الدول قادرة على التأثير في أكثر الأزمات الدولية وكانت تمتلك القدرة في ضبط الدول والأنظمة السياسية حول العالم، ثمة تغير حدث ليس في غفلة من ساسة واشنطن وباريس بل في عدم قدرة على استيعاب الخطر الإيراني الذي مرر عمليات القرصنة بالطائفية العابرة للحدود الوطنية، بينما كان العالم يمارس كل الضغط الممكن لتحويل إيران من الثورة إلى الدولة كانت إيران تصدر ثورتها بمقتضيات الممكن والمتاح في الطائفية وفي الرهان على الأزمات المستدامة في الشرق الأوسط.
ملفات القارة الأفريقية تديرها فرنسا بضغطة (زر) بينما عجزت عن اختراق النظام السياسي اللبناني في لحظة اكتشاف الحقيقة التي على الرئيس ماكرون استيعابها والبحث عن حلول منطقية لأزمة لبنان الذي اختطف من فرنسا كما اختطف اليمن من الولايات المتحدة بعد سنوات طويلة تعاملت معه عبر الطائرات المسيّرة لتصطاد عناصر تنظيم القاعدة دون إدراك أن اليمن ككتلة كاملة اختطفته إيران.
يحدث كل هذا والغرب مازال يراهن على إعادة إيران للاتفاق النووي بعد سنوات ترامب الذي كان متفرداً في الكيفية المنطقية بالتعامل مع إيران وفيروساتها فلقد كان الرئيس ترامب الوحيد الذي تعامل مع الرأس الإيراني مباشرة واستطاع التأثير على النظام بطريقة مختلفة عما عرفته إيران منذ ثورة الخميني في 1979، وبكل الاعتبارات تظل الحقبة الترامبية لها خصوصيتها غير أنه كان من الأجدر الاستفادة منها بدلاً من تجاوزها والعودة لمفاوضات الاتفاق النووي تحت عناوين مستهلكة تماماً.
كيف يمكن اليوم أن تستعيد الولايات المتحدة وكذلك فرنسا ثقة الشعوب الشرق أوسطية بدون استعادة كلمات المرور الخاصة بلبنان واليمن وإصلاح أنظمة التشغيل فيهما ففي البلدان تكمن اختبارات القدرة الغربية على امتلاك زمام المبادرة السياسية أو الارتهان لسياسة الارتهان الإيرانية التي تمارسها عن عقيدة وفلسفة طائفية استنزفت العالم العربي وعطلت خطط التنمية والتقدم المعرفي.