لماذا تفشل تطبيقات وألعاب الواقع الافتراضي بعد "تدجينها منزليا"؟
يعد موقع يوتيوب (YouTube) كنزا غنيا لمن يريد البرهنة على "فشل تطبيقات وألعاب الواقع الافتراضي"، حيث يتم بث فيديوهات كثيرة مضحكة ومسلية في بعض الأحيان، ومؤلمة في كثير من الأوقات لتعثر المستخدمين، وهم يرتدون نظاراتهم ثلاثية الأبعاد المستخدمة في عوالم الواقعية الرقمية، وسقوطهم بشكل محرج، أو اصطدامهم بالجدران أو حتى الأشخاص من حولهم.
وقد أثارت هذه الفيديوهات ضحك الملايين من المشاهدين حول العالم، وقد أصبحت أيضا مجالا للبحث والتنقيب بالنسبة للعلماء.
وفي هذا السياق، قام باحثون من جامعة كوبنهاغن بالبحث والتقصي لمعرفة المزيد عن أسباب "فشل الواقع الافتراضي" ومتى ولماذا تسير الأمور بشكل خاطئ للمستخدمين في العوالم الافتراضية، وكيفية تحسين تصميم تجارب وتدريبات وألعاب الواقع الافتراضي لتجنب مثل هذه الحوادث المثيرة للضحك والأسى معا، وذلك كما ذكر موقع "يوريك أليرت" (eurekalert) مؤخرا.
الواقع الافتراضي ليس محصورا على الألعاب الإلكترونية
ودرس هؤلاء الباحثون المتخصصون في طرق تحسين العلاقة بين التكنولوجيا والبشر، 233 مقطع فيديو تم بثها سابقا على يوتيوب لوقائع من فشل الواقع الافتراضي، وتم نشر نتائج بحثهم على منصة "شي كونفيرنس بروسيدنج" (CHI Conference Proceedings).
يعتقد الكثير من البشر أن الواقع الافتراضي هو أمر محصور على ألعاب الفيديو الإلكترونية، لكنه في الحقيقة أصبح منتشرا بطريقة كبيرة في كثير من التطبيقات كالتعليم والتدريب الطبي أو العسكري والتسويق وصناعة الخبرة، وغدا يمتع بشعبية متزايدة في الكثير من القطاعات.
كما تستخدم أنظمة الواقع الافتراضي أجهزة خاصة تعمل في بيئات متعددة لإنشاء صور واقعية، إضافة إلى المؤثرات الأخرى التي تحاكي الوجود الفعلي للمستخدم في بيئة افتراضية، وتتيح أدوات الواقع الافتراضي للمستخدم أن يتنقل في البيئة الرقمية من خلال تفاعله مع الميزات أو العناصر الافتراضية المختلفة.
بيئة جديدة ومختلفة
تقول الدكتورة أندريا أناماريا موريسان من قسم علوم الحاسوب في جامعة كوبنهاغن والمشاركة في الدراسة، "نظرا لأن تطبيقات الواقع الافتراضي أصبحت أقل ثمنا وأكثر شيوعا واستخداما بين الناس الآن، فقد لاحظنا أن هذه التكنولوجيا أصبحت تستخدم في بيئات لم يتم أخذها بعين الاعتبار أثناء تصميمها".
وتوضح أنه "على سبيل المثال، فإن كثيرا من تطبيقات الواقع الافتراضي تم تصميمها في الأصل للاستخدام في قاعات ومراكز خاصة بها، ولم تصمم ليتم استخدامها في المنازل والشقق المزدحمة بالناس والحيوانات الأليفة، وقطع الأثاث المتناثرة هنا وهناك داخل البيوت كما يجري في كثير من الأحيان الآن، وهي الأماكن التي تجري بها أغلب حوادث الاصطدام والسقوط المؤلمة التي نشاهدها عبر يوتيوب".
وقد أنشأ الباحثون فهرسا خاصا لأنواع الحوادث التي تحدث وذلك بناء على الـ 233 فيديو التي تمت دراستها، وقد وجد الباحثون أن أكثر أنواع الحوادث تكرارا هو الاصطدام بالجدران أو قطع الأثاث، وفي إحدى الحالات رأينا مشاهدا "يدغدغ" شخصا يرتدي نظارة ثلاثية الأبعاد ومنسجما تماما في واقعه المتخيل، فما كان من ذلك الشخص إلا أن قام بصفع ذلك المتدخل على وجهه صفعة موجعة.
المتصل والمنفصل
وتؤكد موريسان أن "الخوف هو أحد أكثر الأسباب المؤدية لمثل هذه الحوادث، فالشخص المتصل الموجود داخل الواقع الافتراضي يكون في حالة انفصال عن الواقع الحقيقي المحيط به، وعادة ما يكون منغمسا كليا في الأحداث التي تجري في واقعه المفترض، خصوصا إذا كان مندمجا تماما في إحدى الألعاب أو التدريبات الخطرة التي تثير الخوف والهلع، حيث تتطاير الأشياء داخل ذلك الواقع المفترض، ويتم الهجوم على المستخدم بغية إيذائه داخل التجربة أو اللعبة، ويتجلى الخوف في ردود الأفعال المبالغ فيها، والتي تأتي على شكل صراخ أو حركات جامحة غير منضبطة قد تنتهي بالسقوط أو الاصطدام بجدران الغرفة أو الوقوع المدوي من أعلى درجات المنزل".
جرعة زائدة من الأدرينالين
وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات والمقترحات للمصممين لأخذها بعين الاعتبار.
تقول موريسان إن بعض التطبيقات خصوصا ألعاب الواقع الافتراضي مصممة أصلا لبث الخوف والرعب في اللاعبين، وإعطائهم جرعات زائدة من الأدرينالين، وهذا جزء من اللعبة كي تكون أكثر إمتاعا، ولكن هذا قد يكون مؤذيا في كثير من الأحيان، ولا بد من إيجاد نوع من التوازن بين المتعة والسلامة، حيث يمكن للمصممين أن يغيروا من بعض عناصر اللعبة أو التطبيق، مثلا بدلا من تجهيز اللاعب بسيف افتراضي يتطلب التلويح به استخدام اليدين ضمن مساحة واسعة، من الممكن بدلا من هذا السيف داخل اللعبة نفسها استخدام درع صغير وهو ما سيغير من سلوك اللاعب.
وخلصت الدراسة إلى أن المصممين يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار المتغيرات الجديدة لدخول تطبيقات الواقع الافتراضي لبيئات مختلفة مثل البيوت والشقق السكنية بحيث يتم إعادة تصميم هذا الواقع، ليراعي الصحة والسلامة العامة للمستخدمين المنغمسين، وللناس المحيطين بهم في الواقع الفعلي، كما على المستخدمين أيضا مراعاة البيئة المحيطة بهم أثناء الانغماس الكلي في تجاربهم وتدريباتهم وألعابهم المختلفة.