أسعار العملات

دولار / شيكل 3.29
دينار / شيكل 4.64
جنيه مصري / شيكل 0.21
ريال سعودي / شيكل 0.88
يورو / شيكل 3.92
حالة الطقس

القدس / فلسطين

السبت 20.24 C

من يحاول إقحام الجيش التونسي في السياسة؟

أرشيفية

أرشيفية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

ظل الجيش التونسي، طوال تاريخه، من أكثر الجيوش انضباطاً لدوره المهني، وابتعاداً عن التدخل في الحياة السياسية، والتورّط في النزاعات الحزبية. وحتى انقلاب "7 نوفمبر" في 1987 الذي نفذه زين العابدين بن علي ضد الرئيس الراحل بورقيبة، كان في أساسه انقلاباً أمنياً استفاد فيه بن علي، من موقعه وزيراً أول، ينص دستور 1959 على خلافته للرئيس في صورة شغور المنصب، وهو ما جعله يستند إلى شهادات طبية لإثبات عدم أهلية بورقيبة.

بعد هروب الرئيس بن علي، كان الوضع ملائماً جداً ليستولي الجيش على السلطة وإدارة المرحلة، في غياب أي قوة سياسية أو اجتماعية منظمة في البلاد، حيث كانت الفوضى تضرب كل القطاعات. وعلى الرغم من ذلك، تعهّد رئيس أركان الجيش التونسي حينها، الفريق أول رشيد عمار، في أثناء زيارته المعتصمين في القصبة (ضاحية في العاصمة)، بحماية المسار الديمقراطي، غير أن ما جرى منذ انتخابات 2019 الرئاسية والنيابية هو ظهور حالة من اختلال الانتظام بين المؤسسات، فقد حرص الرئيس الحالي، قيس سعيد، خلافاً لسابقيه، على إقحام المؤسسة العسكرية والأمنية في الجدل السياسي، عبر تنقله إلى الثكنات وإلقاء خطابات منها، يوجه من خلالها رسائل إلى خصومه السياسيين، وهو ما أوحى بوجود رغبةٍ ثاويةٍ بمحاولة توظيف هذه المؤسسات السيادية في صراع سياسي مرحلي. وما زاد في تأزيم المشهد إبداء أطراف حزبية مؤيدة للرئيس عن أمانيها بتدخل الجيش، لحسم صراعاتها مع خصومها السياسيين، وقد ظهر هذا النزوع في التدوينة التي نشرها الوزير السابق ومؤسس حزب التيار الديمقراطي، محمد عبو، ودعا فيها صراحة إلى توظيف الجيش في اعتقال شخصيات سياسية، ولتنفيذ أجندات حزبية. وتحولت كل هذه الدعوات إلى حديث الشارع، بعد تسريب ما سُميت وثيقة الانقلاب، والتي تطرح على الرئيس فكرة تفعيل الفصل 80 من الدستور، ولكن بشكل تعسفي، بما يمنحه فرصة تعطيل الحياة الدستورية والسياسية في البلاد، والإمساك بكل جوانب السلطة بشكل فردي مطلق.

في المقابل، كان غريباً أن الرسالة التي وجهتها شخصيات عسكرية متقاعدة إلى رئيس الجمهورية أكثر توازناً وعقلانية من خطابات بعض السياسيين، من خلال تأكيدها على ضرورة إجراء حوار وطني يجمع الفرقاء السياسيين، ويحفظ تماسك البلاد، ويساعد على الخروج من الأزمة السياسية الحالية.

إذا كان من غير الممكن نفي دور الجيش، بوصفه قوة أساسية في حفظ سلامة البلاد، فإن تأثيره السياسي يظل غير ملحوظ، باعتباره "الصامت الأكبر" الذي يلتزم بالقيام بدوره الدستوري، ولا تحكمه شهوة السلطة أو عقلية الهيمنة، وهذه ميزة للجيش التونسي في ظل محيط عربي وأفريقي، لعبت فيه القوى العسكرية أدواراً سلبية في خنق أي مبادرةٍ نحو تأسيس أنظمة حكم أكثر ديمقراطية. ويمكن فهم رغبة بعض الشخصيات السياسية والقوى الحزبية في إقحام الجيش في المجال السياسي من خلال عاملين أساسيين، ظهرا في أثناء عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، أولهما سطحية الأداء وضعفه لدى نخب سياسية وإعلامية ظهرت بعد الثورة، وهذه الفئة يغلب عليها التبسيط المخلّ في عرض المشكلات وتقديم الحلول، وهي تحمّل الديمقراطية والحرية كل المساوئ والخطايا (فوضى وإضرابات وغلاء أسعار وبطالة)، ولا ترى حلاً إلا في إلغاء التجربة، والعودة إلى مربّع الاستبداد، وتميل هذه الفئة في خطابها إلى استخدام الشعارات العامة والمرسلة، وإلى العنف اللفظي ومنطق التخوين، للتغطية على ضعف موقفها الفكري وأدائها السياسي، وهي في هذا تلتقي مع النزعات الشعبوية التي تحاول تحشيد الرأي العام حول شعاراتٍ خاويةٍ، في مقابل عجزها عن تقديم البدائل والحلول.

العامل الثاني وقوع بعض القيادات الحزبية والسياسية في حالةٍ من الإحباط، نتيجة عدم تحقق الأهداف التي كانت تسعى إليها بشكل سريع، وهو ما جعلها تنتقل من خانة الداعم للتحول الديمقراطي إلى موقع الداعي إلى إيقاف المسار عبر كل السبل، بما فيه توظيف القوة الصلبة في الدولة (الجيش والأمن). وإذا كان من الممكن تفهّم ضيق الجمهور الواسع من بطء نتائج الانتقال الديمقراطي، وما يرتبط به مشكلات وأزمات، فإنه لا مجال لتبرير مواقف القيادات السياسية والحزبية الفاشلة التي تتصوّر أن عدم تحقق أهدافها السياسية بالشكل الديمقراطي ينبغي أن يُستعاض عنه باستخدام آليات الاستبداد، ويتناسى هؤلاء، لقصر نظرهم، أن الانتقال الديمقراطي عملية مرهقة، وأن حدوث أخطاء أو نتائج غير متوقعة هو جزء من العملية ذاتها.

المطلوب من التنظيمات الحزبية والقوى السياسية أن تختار شخصياتٌ تملك قدراً من الحكمة لإدراك الهدف المشترك للمجتمع، وأن تفرز قيادات ونخبة من السياسيين الذين يتمتعون بثقة الشعب، ومن القادرين على تقديم البدائل الواقعية والرؤى الإصلاحية، عوضاً عن إشاعة التفكير السلبي بين الجمهور العام والتحريض على الانقلابات والفوضى، والدعوة إلى إقحام الجيش والأمن في الخلاف السياسي.

اقرأ أيضا