إعادة تأهيل تاجر مخدرات غير تائب
كتب: غازي دحمان
يتهيأ بشار الأسد، بعد إنجازه عملية انتخابية مزورة بكل المقاييس، إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع دول الإقليم، تأسيساً على تحوّله، بناء على الانتخابات الموصوفة، إلى حاكم شرعي، يحظى بدعم السوريين، وبوصفه السلطة الشرعية الوحيدة على الجغرافيا السورية وسكانها، حيث تكتمل به أضلاع الدولة، الكيان السياسي الحداثي، الذي لا يجد الخارج مفرّاً من الاعتراف به، وغير ذلك يعتبر مخالفاً للقوانين الدولية المرعية.
لم تكن المشكلة مع بشار الأسد، في أي يوم، مدى شرعيته، فالعالم كله، بأنظمته الليبرالية والمحافظة، يعرف كيفية وصول عائلة الأسد إلى السلطة واستمرارها بها طوال هذه العقود، وكانت الدول قد تكيّفت مع هذا الوضع وقبلته، تحت حجج وذرائع كثيرة، لكن المشكّلة أن الأسد قد أوجد مع الزمن، وربما نتيجة استهتاره بالرأي العام العالمي، دولة خارجة عن المنطق والقانون والقيم الأخلاقية، بحيث يصعب التعامل معها، من دون التنازل عن الحد الأدنى من القيم العالمية.
تحتل دولة الأسد التي يسعى إلى تقديمها للخارج، بوصفها غطاء لشرعية قيادته، أدنى درجات المؤشرات الدولية في مختلف المجالات، تقع في مؤشّر الديمقراطية في المرتبة 164 من أصل 167 دولة، وفي مؤشّر السعادة 149 من أصل 156، وفي مؤشّر الحقوق السياسية المرتبة 210 من أصل 210، وفي مؤشّر الفساد المرتبة الثالثة بعد الصومال وجنوب السودان من أصل 179، وفي مؤشّر السلام المرتبة الأخيرة من أصل 163، وفي مؤشّر البلد الجيد، الذي يقوم على قياس دور كل دولة في إفادة العالم والجنس البشري من خلال سياساته ومساهماته في مواجهة التحدّيات التي تواجه البشرية، احتلت سورية المرتبة 155 من بين 163. المؤشّر الوحيد الذي تبدو فيه دولة الأسد متقدمة، إلى درجة أنها تحتل المرتبة الأولى فيه، هو صناعة المخدّرات وتجارتها، وهو ما دفع وسائل إعلام غربية كثيرة إلى إعادة تسمية سورية "دولة المخدّرات"، انطلاقاً من الطبيعة المؤسسية لهذه التجارة، وعلاقتها بالشبكات الإجرامية العابرة للحدود في العالم.
وعلى الرغم من أن تجارة المخدرات مهنة قديمة لدى نظام الأسد، إذ صنّفت وزارة الخارجية الأميركية سورية دولة مخدّرات خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث جنت الشخصيات العسكرية والأمنية والنظامية في دمشق أرباحًا هائلة من تجارة المخدّرات، إلا أنها شهدت قفزات قياسية منذ بداية الثورة السورية، فقد دمّر الأسد الهيكلية الاقتصادية السورية، وفق خطةٍ مدروسةٍ، هدفها إفقار السوريين وتهجيرهم، وأحلّ مكانها نمطاً اقتصادياً جديداً يقوم على أنشطة متنوعة، مثل الاتجار بالبشر، والدعارة، وتهريب الأعضاء، ونهب القطع الأثرية، وابتزاز السكان. وتتقدم صناعة المخدّرات وتجارتها قائمة هذا الاقتصاد الجديد، أو درّة منتجات دولة الأسد، حسب دراسة لمركز التحليل والبحوث العملياتية البحثي، والذي يركز على الوضع في سورية.
وعلى الرغم من الكميات الكبيرة من المخدّرات التي جرى ضبطها في أماكن متفرقة من أوروبا والبلدان العربية، أكدت مصادر إعلامية أن حجم تجارة الأسد من المخدّرات تبلغ بحدود 16 مليار دولار سنوياً، وأن كمية الإنتاج التي تنتجها شبكة من المصانع يفوق عددها الستين مصنعاً وورشة، كبيرة إلى درجة أن أسواق بعض الدول الخليجية التي تعدّ من الأهداف الكبرى لتجارة الأسد بالمخدرات باتت مشبعةً في الوقت الراهن. وتجمع مختلف التقارير على أن عائلة الأسد، بالإضافة إلى الأجهزة التي يشرف عليها الأسد (الفرقة الرابعة، والحرس الجمهوري، والمخابرات الجوية والعسكرية) هي المحتكر الأساسي لصناعة المخدّرات وتجارتها، ما يعني أن بشار الأسد هو المشرف بشكل شخصي على هذه التجارة، ذلك أن هذه الأجهزة هي المسؤولة، بالدرجة الأولى، عن أي تحرّك يحصل في البلاد، كما يضع قادتها، مع الأسد، الخطط والبرامج الخاصة بضبط البلاد والإمساك بزمام الأمور فيها. والمشكلة أن الأسد من غير المقدّر له أن يتوب عن هذه التجارة، وهو لا يحاول حتى طمأنة الخارج بأنه قد يعمل على الأقل على ضبط صناعة المخدرات وتجارتها ومحاربتهما، وتحديداً إلى الأسواق العربية، فما هو المغري في إعادة تأهيله والتواصل معه؟ ألا يعني ذلك تأييداً لسياساته وتشجيعه على المضي بها؟. وإعادة تأهيل الأسد، وفق هذه الشروط وفي هذه الظروف، لن يكون لها سوى معنى واحد، الرضوخ لأزعر غير مستعد لتغيير سلوكه، ويطلب من الآخرين أن يقبلوه على وضعه، وأن يحلوا بأنفسهم، ما استطاعوا، من المشكلات التي سيخلفها لهم، في سياق ممارسته سياساته التي يرى أنها تمثل النموذج الأفضل لتحقيق مصالحه الخاصة.
ليس ثمّة عذر لأيٍّ من الأطراف الإقليمية والدولية القول إن الأسد جيد لأنه لا يقتل إلا السوريين، إذ تثبت قوائم مضبوطات المخدّرات في الإقليم، من مصر إلى السعودية وتركيا والأردن، أن الأسد أرسل شحنات الموت إلى جميع بلدان الإقليم، ولم يستثن أحداً، ولم يضع اعتباراً لمواقف هذه الدول التي يدعو بعضها إلى وقف مقاطعة نظامه، أو حتى يدعمه دبلوماسياً ومادياً وعسكرياً، فالعصابات، وليست الأنظمة السياسية، وحدها من لا يتأثر بهذه الاعتبارات.