حماية البيئة واجب شرعي والتزام أخلاقي
كان إنشاء القوات الخاصة للأمن البيئي في الثامن عشر من سبتمبر 2018 لحظة فارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية عطفًا على الأدوار الكبيرة التي تضطلع بها، والأهمية الخاصة التي تكتسبها، ولاسيما في ظل رؤية السعودية 2030 التي هدفت إلى تحقيق مبادئ التنمية المستدامة عبر الاهتمام بعناصر البيئة، والحفاظ على المقدرات الطبيعية التي وهبها الله تعالى لهذه البلاد المباركة، وتحسين جودة الحياة، وضمان أن ينعم أفراد المجتمع بحياة صحية وبيئة سليمة وجاذبة.
وأولى الإسلام أهمية بالغة للعناية بالبيئة، ومنع التعدي عليها، ويظهر ذلك في قوله سبحانه وتعالى {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، كما حثّ نبيه الكريم - صلي الله عليه وسلم - على الاهتمام بالتشجير والعناية بالزرع بقوله: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
ويعود الاهتمام السعودي بقضايا البيئة إلى عهد بعيد؛ فقد ركزت منذ تأسيسها على الدعوة لعدم إهدار الموارد، والتحذير من طغيان الإنسان على محيطه، وأكدت المادة الـ(32) من نظام الحكم أن الدولة معنية بالمحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث، وحماية الصحة العامة من أخطار الأنشطة والأفعال المضرة؛ لذلك جعلت التخطيط البيئي جزءًا لا يتجزأ من التخطيط الشامل للتنمية في جميع المجالات الصناعية والزراعية والعمرانية وغيرها لترسيخ الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية للمحافظة على البيئة وتحسينها.
وفي إطار ذلك الاهتمام تم الإعلان مؤخرًا عن مشروع ذا لاين لإنشاء مدينة خالية من الكربون في نيوم، بحيث تتم المحافظة على 95% من الطبيعة بدون سيارات، أو انبعاثات كربونية، أو ضوضاء أو تلوث.. وفي السياق ذاته تبرز مبادرة (السعودية الخضراء) التي تستهدف زراعة 10 مليارات شجرة، ومبادرة (الشرق الأوسط الأخضر) لزراعة 40 مليار شجرة.
وخلال الدورة السابقة لمجموعة دول العشرين التي ترأستها السعودية تم التركيز على الرؤية السعودية التي نادت بضرورة تبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون؛ ليتم تأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة، كما تم إطلاق مبادرتين دوليتين، الأولى تستهدف الحد من تدهور الأراضي، والثانية تحافظ على صحة وحيوية الشعاب المرجانية.
ومن هذا المنطلق بادرت القيادة الحكيمة إلى إنشاء قوات حماية البيئة التي استطاعت منذ تكوينها تحقيق إنجازات لافتة، في مقدمتها رفع الوعي وسط أفراد المجتمع بأهمية المحافظة على البيئة، واهتمت بالجانب التثقيفي والتنويري قبل اهتمامها بإيقاع العقاب على المتجاوزين.
وظلت تلك القوات تعمل بشكل دؤوب على تنفيذ المهام الجسيمة الملقاة عليها، التي تشمل وقف التعديات على الثروات الطبيعية، ومحاربة الاحتطاب الجائر الذي يهدد القطاع النباتي بالزوال، وحماية الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض، ومراقبة المحميات الطبيعية، والتصدي لكل من يحاولون العبث بأمن البيئة، ومكافحة الأسباب المؤدية للتصحر، والحفاظ على الأراضي الزراعية.
لأجل ذلك تم منح قوات الأمن البيئي صلاحيات واسعة، تعين أفرادها على مراقبة تطبيق الأنظمة ذات العلاقة، والقيام بمهام ومسؤوليات شاملة، تغطي جميع مناطق السعودية.
ومن تلك الصلاحيات المراقبة والتحري الأمني، والقبض والتوقيف، والضبط وتحرير المخالفات، والإحالة إلى الجهات المختصة، والمساندة والدعم الأمني، والتوعية بقضايا البيئة، بالتنسيق مع الجهات المعنية.
ولا تكاد تخلو صحيفة أو وسيلة من وسائل الإعلام بأشكالها كافة من تناول أخبار النجاحات اليومية اللافتة لتلك القوات التي أثبتت أنها جديرة بالثقة التي مُنحت لها، وأنها قادرة على القيام بواجباتها على الوجه الأكمل، مما يشير بوضوح إلى حجم الجهد المبذول، ووضوح الرؤية لدى أفرادها، وقدرتهم على المراقبة والضبط، ومعرفتهم التامة بمهامهم، وإيمانهم بالرسالة التي يحملونها.
وحتى يتم إنجاز الأهداف التي تسعى لها الدولة بالحفاظ على الموارد والثروات الطبيعية؛ لتستفيد منها الأجيال المقبلة بصورة مثلى؛ فإن من الواجب أن تشارك شرائح المجتمع كافة في تلك المهمة، وذلك عن طريق التركيز على الأطفال والشباب حتى ترسخ لديهم الثقافة البيئية، ويكتمل لديهم الوعي بأهمية المحافظة عليها. ومن الأفضل أن يتم تضمين مقررات دراسية بهذا الصدد ضمن المناهج التعليمية.
كذلك ينبغي على وسائل الإعلام، والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتزايد أهميتها بصورة يومية، أن يشاركوا في تلك المهمة، وتوعية المجتمع بالمخاطر الهائلة التي يمكن أن تترتب من جراء سوء استخدام الموارد، وتصل إلى حدوث التغير المناخي كما نشاهد في بعض دول العالم.
ويخطئ كثيرًا مَن يظن أن الاهتمام بحماية البيئة والمحافظة عليها هو نوع من الترف الذي تمارسه النخب؛ فهي أعظم النعم التي منحها الله للإنسان ليستمتع بها في هذا الكون؛ لأنها تمده بالغذاء والماء، وبدونها لن توجد حياة، ولن تنشأ حضارة.