الإدارة الفاشلة لملف اللجوء والخطر المرتقب
اعتمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة سنة 2000 تاريخ 20 من حزيران يوما عالميا للاجئين ليكون مناسبة لتكريم من تم إجباره على الهروب من بلده، كما وتوجيه التحية لسعي اللاجئين نحو حياة أفضل ولجسارتهم على إعادة بناء حياة كريمة وآمنة. وقد تم اختيار هذا التاريخ بالاستناد إلى يوم اللاجئين الإقليمي في القارة الأفريقية الذي سبق إقراره أفريقياً ليصير بعدئذ كونياً. وبعد البدء سنة 2001 بإحياء هذه المناسبة، تم مع الوقت بروز تسمية طالبي اللجوء السياسي كفئة أساسية من مجموع اللاجئين والمبعدين. وعادة يحفل هذا اليوم بنشاطات متعددة تحييها منظمات المجتمع المدني بمشاركة فاعلة من اللاجئين أنفسهم لتحسيس المجتمع على مأساة هذه الفئة. كما أنها مناسبة للتذكير بحقوقهم التي لا تتوقف عند الحق في منع الإعادة إلى بلد الأصل حيث ينتظرهم خطر التعرض لانتهاكات جسيمة، وذلك بالاستناد إلى ميثاق جنيف لعام 1951، بل أيضاً الحق في طلب الحماية في بلد اللجوء طالما أنهم حرموا منها في بلدهم الأصلي وذلك بالاعتماد على نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
تعددت الأسباب، وشقاء اللجوء واحد. حيث تعتبر الحروب بين الدول، كما النزاعات الداخلية، القبلية أو الإثنية أو الطائفية، كما الأوضاع السياسية التي تسود في الأنظمة الاستبدادية، هي أهم أسباب اللجوء. ولقد أُضيف إليها مؤخراً نوع مستجد من اللجوء ترجع أهم أسبابه إلى تدهور البيئة وتغير العوامل المناخية. وغالباً ما يكون اللجوء البيئي داخلياً أما اللجوء من المعارك ومن القمع فمن المؤكد أنه يتجاوز الحدود ومعظمه نحو دول الجوار، ونسبة أقل إلى دول بعيدة. في المقابل، فاللجوء البيئي لا يعطي لصاحبه أي وضعية قانونية حيث لم ترد في ميثاق جنيف أية إشارة إلى العامل البيئي كسبب للجوء.
ولقد سجل هذا العام منذ بدايته، عدداً هائلاً من اللاجئين السياسيين والبيئيين والإنسانيين، والذين تجاوز عددهم في كل أنحاء العالم رقم 82 مليون شخص. ويعتبر هذا الرقم ضعف عددهم المسجل منذ عشر سنوات كما تشير إليه إحصائيات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
في حين تتصاعد النزعات العنصرية في الدول المتقدمة، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي، تجاه الأجانب، خصوصاً بعد موجات اللجوء الأخيرة من شرقي المتوسط ومن شمال أفريقيا ووسطها، متحججة بتفاقم ظاهرة اللجوء وانعدام القدرة الاقتصادية والخدمية على استقبالهم أو رعايتهم، تُظهر الأرقام التي توصلت إليها المراصد العلمية العاملة في حقل الهجرة واللجوء إلى أن أكثر من 85 في المئة من اللاجئين يوجدون في الدول النامية المجاورة لمناطق الكوارث الطبيعية والبيئية والنزاعات المسلحة والانتهاكات السياسية، في حين، يستقبل الغرب الأوروبي عددا لا يتجاوز 6 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين في العالم. وكما يقول المثل الشعبي، فالـ "الفقير أكثر كرماً من الثري" حتى بين الدول.
صار ملف اللجوء يستخدم غربياً لغايات سياسية محلية ودولية. حيث تصعّد بعض الجماعات السياسية من خطابها الرهابي والعدائي تجاه اللاجئين رافضة استقبالهم، مبتعدة بذلك عن التزام حكوماتها بالاتفاقيات الدولية والمواثيق العالمية، ورافضة أي التزام أخلاقي وإنساني على مستوى القرار الجمعي. وغالباً ما يتم ذلك عشية الانتخابات على أنواعها، مما يدفع بالجماعات الأخرى، وعلى تنوّع ميولها الإيديولوجية، إلى تبني خطاب عدائي شبيه كي لا تخسر أصوات الناخبين الذين ساهمت بعض وسائل الإعلام الشعبوية، إضافة إلى الجهل البنيوي، في ربط كل مشكلات حياتهم اليومية من اقتصادية ومن أمنية ومن ثقافية، بالغريب القادم من بعيد.
ومع إغفال الجانب الإنساني والتركيز على الاستغلال السياسي في بعض الدول المتقدمة، سيصبح ملف اللجوء قنبلة موقوتة يمكن لها أن تؤدي إلى نتائج كارثية في ردود الأفعال ليس من جانب اللاجئين حصراً، بل أيضا لدى المهاجرين من مختلف الأجيال الذين سيشعرون بتعاطف طبيعي وتلقائي مع محنة أترابهم الجدد، مما سيدفع بهم إلى تبني مواقف متطرفة لا يمكن تقدير تبعاتها.
في اليوم العالمي للاجئين، تشير تقارير المنظمات الدولية المتخصصة بملف اللاجئين خصوصاً والمهاجرين عموماً، إلى تصدّر سوريا وفنزويلا لقائمة البلدان الأكثر "إنتاجاً" للاجئين في العالم قاطبة. كما أنها تشير إلى أن العبء الأكبر في استقبال العدد الأكبر منهم يقع على الدول المجاورة لهاتين الدولتين. دون إغفال إمكانية وصول النزر اليسير منهم إلى دول الغرب المتقدمة والغنية. وكما ترصد المؤسسات الدولية المعنية، فيبدو أن الخطاب الأكثر حدة في معاداة اللجوء يصدر عن الدول المتقدمة أكثر مما يمكن تلمّسه في الدول النامية المجاورة لهاتين الدولتين الفاشلتين سياسياً واقتصادياً. أما في نظر أصحاب نظرية المؤامرة التي تحرّرهم من المسؤولية الأخلاقية، فالبلدان محكومان بنظام "تقدمي، مقاوم للمخططات الأجنبية وممانع أمام المشاريع التوسعية ومعادٍ للإمبريالية وهو يتعرض للحصار من قبل كل قوى الشر العالمي".
تغيب بالتالي عنهم وعن ضمائرهم حقيقة "تمتع" الدولتين بنظام حكم يعتمد في بنيته على مكوني الاستبداد والفساد اللذين يصاحبان أقدار شعبيهما ويرميان بهما في فضاءات اللجوء التي يمكن أن يصلوها أحياء جسديا وأمواتا نفسياً، أو أمواتا ليدفنوا في أراضيها كغرباء.