ما الهدف من الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا؟
كتب: عدنان علي
يشير تزايد الهجمات التي تستدف القوات الأميركية شرقي سوريا إلى تنشيط في الاستراتيجية التي كان ألمح اليها غير مرة النظام السوري لجهة قيام جبهة "مقاومة شعبية" ضد الوجود الأميركي، وهي استراتيجية باتت تتبناها إيران وميليشياتها، مع دمجها بـ"الجبهة العراقية" المناوئة للوجود الأميركي، والتي شُكلت خاصة بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مطلع العام الماضي.
ورغم أن منفذي الهجمات لا يجرؤون غالبا على الإعلان عن هويتهم، لكن من الواضح أنهم ينتمون للميليشيات التي تدعمها إيران، خاصة أن تلك الهجمات تنطلق من مناطق سيطرة الميليشيات غرب نهر الفرات، وتستهدف خاصة حقلي العمر النفطي وكونيكو الغازي شرقي النهر، واللذين حولتهما القوات الأميركية إلى قاعدتين رئيسيتين لها في تلك المنطقة.
وتأتي الهجمات الأخيرة كرد على استهداف القوات الأميركية مؤخرا لمواقع "الحشد الشعبي"، على الحدود السورية العراقية، وضمن استراتيجية جديدة تستهدف مضايقة القوات الأميركية، وإجبارها على التفكير بمغادرة الأراضي السورية.
وكان "الحرس الثوري" الإيراني استقدم في الأشهر الماضية أسلحة متطورة إلى قواعده في شرق سوريا، وخاصة قاعدة "الإمام علي" التي تعرضت لهجمات جوية إسرائيلية أكثر من مرة.
ويعد حقل العمر النفطي أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجا. ويقع على بعد حوالي 10 كم شرق مدينة الميادين في محافظة دير الزور. وشكل الحقل هدفا لكل الجماعات المتصارعة في الحرب السورية، حيث سيطر عليه أولا "الجيش الحر" في نوفمبر تشرين الثاني 2013، ثم تنظيم داعش عام 2014، قبل أن تسيطر عليه ميليشيا "قسد" في نهاية أكتوبر تشرين الأول 2017، بدعم من التحالف الدولي. وتعتبر قاعدة حقل العمر من أكبر القواعد في شرقي سوريا، وهي المركز الرئيسي لانطلاق عمليات التحالف الدولي لتقديم الدعم الجوي وتوجيه ضربات للميليشيات الإيرانية في الجهة المقابلة مثل الميادين والقورية والعشارة وموحسن.
ومن المعتقد أن تزايد هجمات الميليشيات التي تدعمها إيران على قاعدة حقل العمر، والقواعد الأخرى، يندرج في إطار محاولة تلك الميليشيات إرساء قواعد جديدة للاشتباك مع القوات الأميركية في سوريا والعراق، بحيث يتوجب على واشنطن توقع رد عسكري في كل مرة تستهدف مواقع تابعة لميليشيات تدعمها إيران، مع حرص الأخيرة على أن تبقى بعيدا عن المشهد، وتنكر دعمها أو علمها بمن يشن تلك الهجمات تحاشيا للصدام المباشر مع واشنطن. وما يساعد على تكرار مثل هذه الهجمات أن حقل العمر النفطي، وكذلك حقل كونيكو يقعان بالقرب من مناطق انتشار الميليشيات التي تدعمها إيران ومن السهل استهدافهما بالقذائف الصاروخية وحتى بالطائرات المسيرة كما حصل في 28 الشهر الفائت. كما أن استهداف القاعدة الأميركية في حقل معمل غاز كونيكو في الريف الشمالي لدير الزور، أصبح أمرا متاحا لتلك الميليشيات بسبب قربها من بلدات خشام ومراط التي تقع تحت سيطرة النظام، حيث لا تبعد عن نقاط انتشار قوات النظام أكثر من 2 كم فقط.
وأقامت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة في منطقة الباغوز بالقرب من معبر مدينة البوكمال الحدودي مع العراق الذي يسيطر عليه الحرس الثوري الإيراني على الضفة الشرقية لنهر الفرات، ومهمتها تقديم الدعم اللوجستي والعملياتي لقوات (قسد) في محاربة تنظيم داعش، إضافة الى مراقبة الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له والحد من نشاطه، لمنعه من السيطرة على الحدود العراقية السورية.
وما يلاحظ أن الولايات المتحدة تقيم معظم قواعدها بالقرب من آبار النفط والغاز في شرق سوريا، حيث هناك 4 قواعد عسكرية في دير الزور وحدها، يقدر عدد القوات المنتشرة فيها ما بين 250 و300 جندي. ومن هنا فإن هذا الاستهداف المتزايد للقواعد الأميركية، خاصة تلك الموجودة في حقول النفط والغاز، يستهدف من جانب محور إيران وميليشياتها والنظام السوري مضايقة قوات التحالف هناك، على أمل دفعها في نهاية المطاف إلى الانسحاب منها، في ضوء حاجة النظام الشديدة لوضع يده على تلك الحقول بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة التي يعانيها وخاصة لجهة النقص الشديد في الوقود.
غير أن التدقيق في الوجود الأميركي في سوريا من النواحي العسكرية والسياسية والجيوستراتيجية، يفضي إلى الاستنتاج بأن الانسحاب الأميركي من تلك القواعد ليس واردا حالياً، وخاصةً مع ارتباط قواعدها في سوريا ميدانياً جغرافياً، بمثيلاتها في العراق، حيث الوجود الأميركي في الأنبار العراقية مثلا متمم للوجود في قاعدة التنف جنوب غرب القائم، وكذلك وجودهم في رميلان شرقي الحسكة مع قواعدهم في دهوك بكردستان العراق، ومع قاعدة سنجار أيضاً.
أضف إلى ذلك، أن الولايات المتحدة لن تقبل بالسيطرة الروسية – الإيرانية على المنطقة، وترك حلفائها الأكراد لقمة سائغة أمام هذا المحور. ومع إدراكهم لهذه الحقائق، فإن تعويل إيران والنظام، وبدعم روسي حذر، ربما يستهدف في المرحلة الراهنة دفع قوات التحالف إلى إجراء عمليات إعادة انتشار أو تبديل في القواعد العسكرية، بما قد يمكن أركان هذا المحور من وضع موطئ قدم في تلك المنطقة المهمة اقتصاديا لجهة ثرواتها النفطية والغازية، واستراتيجيا من ناحية كونها تشرف على الحدود السورية العراقية، وتعد ممرا لطريق طهران _ البحر المتوسط، بينما لا تجد روسيا غضاضة في تصاعد هذه المناكفات التي تخدم مصالحها على المدى القريب لكونها المرشح الأبرز للعب دور الحكم والوسيط في حال تصاعد المواجهات، وعلى المدى الأبعد، في حال نجحت هذه الهجمات في زحزحة الأميركيين عن قواعدهم، مع حرص موسكو على ألا يكون البديل عنهم هو إيران وميليشياتها.