دوران الارض حول محورها
بدأ الأمر في القرن السادس عشر، عندما حقق الفهم البشري لعالمنا والكون الذي نعيش فيه ثورةً تبلورت مع إدراكنا لحقيقةٍ بسيطة. ألا وهي: الأرض تتحرك! ليس فقط حول الشمس، بل وحول نفسها أيضاً. وبينما استغرق الأمر عدة قرون حتى أصبح الأمر مقبولاً عالمياً (حيث تعرض بعض الناس للأضطهاد والإقامة الجبرية بسبب هذا الأمر) فإن حقيقة أن الأرض تدور حول الشمس وحول محورها سرعان ما أصبحت حقيقة مقبولة. في الحقيقة إن دوران كوكبنا حول الشمس وحول محوره، هو بسبب ظاهرة نجمية توصل إليها البشر وأصبحت أمراً مفروغاً منه. إنها سبب شروق الشمس من الشرق وغروبها من الغرب، والسبب وراء منازل (أطوار) القمر، وسبب ظهور النجوم ودورانها حول الأرض مرةً كل يوم. لذلك دعونا نناقش أمر هذه المسألة "ومع ذلك فهي تدور" [1]، هل نقوم بذلك؟ وكما هو ملاحظ بالفعل، تقوم الأرض بنوعين من الدوران. الأول حول محورها، والذي يُعرف باسم الدوران الفلكي sidereal rotation. وهذا ما يسمح بدورة النهار diurnal cycle، وهو الأمر الذي يجعل السماء تبدو ظاهرياً وكأنها تدور حولنا. والنوع الثاني من الدوران هو دوران الأرض حول الشمس والذي يُعرف باسم الفترة المدارية orbital period. هذه الدوران مسؤول عن تلك الفصول، وطول السنة، وتغيرات دورة النهار لدينا. دعونا نلقي نظرة على هذه الأمور من خلال الأرقام... الدوران الفلكي تدور الأرض حول محورها مرةً كل 23 ساعة و56 دقيقة و4.1 ثانية. أو ما يُعرف باسم اليوم الفلكي (sidereal day)، قيست فترة الدوران هذه نسبةً إلى النجوم. وفي الوقت نفسه، فإن اليوم الشمسي للأرض (Earth’s solar day) (ويعني ذلك مقدار الوقت الذي تستغرقه الشمس لتعاود الظهور في المكان نفسه من السماء) هو 24 ساعة. وبطبيعة الحال، فإننا نستخدم القيمة الأخيرة عندما نقوم بعمل تقويم (روزنامة) للأيام.
إن الدوران الفلكي للأرض هو المسؤول عن نمط الشروق والغروب المألوفان لدينا. وباستخدام الأجرام السماوية كنقاط مرجعية (مثل: القمر، والنجوم، إلخ) فإن الأرض تدور بمعدل 15درجة/ساعة (أو 15 دقيقة قوسية/دقيقة) باتجاه الغرب. وإذا نظرنا إلى الأرض من الفضاء من جهة القطب الشمالي، ستظهر الأرض وهي تدور عكس عقرب الساعة. ومن هنا سنعرف سبب شروق الشمس من جهة الشرق وغروبها من جهة الغرب. كان لسرعة دوران الأرض تأثيرات كبيرة عبر الوقت، بما في ذلك شكل الأرض (شكل كروي مسطح، مع تسطح عند القطبين)، ومُناخ الأرض، وعمق المحيطات وتياراتها، بالإضافة إلى القوى التكتونية. ينبغي أن لا يكون هذا الأمر مفاجئاً، نظراً لسرعة دوران الأرض والتي تبلغ 1674.4 كم/س. ومع ذلك فإن سرعة كوكب الأرض تتباطأ مع مرور الوقت، وذلك بسبب التأثيرات المدية للقمر المؤثرة على دوران الأرض. تُظهر الساعات الذرية أن الوقت الحالي أطول من الوقت في القرن الماضي بمقدار 1.7 مللي ثانية. إن الزيادة البطيئة الحاصلة تم تعديلها باستخدام الثانية الكبيسة leap seconds في النظام العالمي للتوقيت. تدور الأرض من الغرب إلى الشرق، وهذا هو سبب شروق الشمس من الشرق وغروبها من الغرب. كم تبلغ سرعة دوران الأرض؟
كم تبلغ سرعة دوران الأرض؟
الفترة المدارية تدور الأرض حول الشمس من مسافة متوسطة (تُعرف أيضاً باسم: المحور شبه الرئيس) مقدارها 149598023 كيلومتراً، أي ما يعادل 92955902 ميلاً (أي وحدة فلكية واحدة)، وتُكمل دروة كاملة خلال 365.2564 يوماً شمسياً. وهذا ما يجعل الشمس تبدو متحركةً في السماء من الشرق بمعدل درجة واحدة يومياً. و وفق هذا المعدل، تستغرق الشمس ما يعادل 24 ساعة (يوماً شمسياً واحداً) لإكمال دورة كاملة حول محور الأرض والعودة لنقطة الزوال (نقطة على سطح الكوكب تمتد من الشمال إلى الجنوب مروراً بالقطبين). وبالنظر من أعلى القطبين الشماليين لكل من الأرض والشمس تظهر الأرض وهي تدور حول الشمس بعكس عقرب الساعة. إن دوران الأرض حول الشمس، او الحركة البدارية precession للشمس خلال نقطتي الاعتدال، هي السبب وراء مدة السنة التي تبلغ 365.2 يوم. ولهذا السبب أيضاً يتم إضافة يوم آخر إلى شهر شباط/فبراير كل أربع سنوات فيما يعرف بالسنة الكبيسة (Leap Year) ليصبح شهر شباط 29 يوماً. أيضاً يخضع دوران الأرض حول الشمس لشذوذ مداري مقداره 0.0167 درجة، مما يعني اقتراباً أو بعداً دوريين لها من الشمس في أوقات محددة من السنة.
تصل الأرض لنقطة الحضيض perihelion (على بعد 147089047 كيلومتر من الشمس) في الثالث من كانون الثاني/يناير تقريباً، وتصل نقطة الأوج aphelion في الرابع من تموز/يوليو (على بعد 152097701 كيلومتر). يؤدي تغير المسافة بين الأرض والشمس إلى زيادة الطاقة الشمسية الواصلة إلى الأرض بنسبة 6.9% عند نقطة الأوج مقارنة بنقطة الحضيض. يميل نصف الكرة الأرضية الجنوبي باتجاه الشمس بنفس الوقت الذي تصل فيه الأرض أقرب نقطة لها من الشمس. لذلك يتلقى نصف الكرة الأرضية الجنوبي طاقةً من الشمس أكثر قليلاً من النصف الشمالي خلال السنة. وهو كذلك نفس السبب وراء ظهور منازل القمر، وكذلك كل من خسوف القمر (lunar eclipse) وكسوف الشمس (solar eclipse). يحدث خسوف القمر عندما يدخل القمر منطقة ظل الأرض، نسبة إلى الشمس مما يسبب ظلمته ومظهره باللون الأحمر (أو ما يُعرف بقمر (Blood Moon) الدم أو القمر الدامي (Sanguine Moon). يحدث كسوف للشمس خلال القمر الجديد عندما يكون القمر بين الشمس والأرض. وحيث أنهما يبدوان بنفس الحجم الظاهري في السماء، فإن القمر بإمكانه أن يحجب الشمس جزئياً، في ظاهرة تسمى الكسوف الحلقي annular eclipse أو يحجب الشمس بالكامل ويسمى الكسوف الكامل total eclipse. وفي حالة الكسوف الكامل يغطي القمر قرص الشمس كلياً، وتصبح الهالة الشمسية solar corona مرئيةً بالعين المجردة. ولولا الميل المحوري للأرض والذي يميل بمقدار 23.5 درجة نسبة إلى الشمس، لكان هناك خسوف وكسوف كل أسبوعين، بالتناوب بينهما. وبسبب هذا الميل المحوري أيضاً تتباين كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض خلال السنة. وهذا ما يسبب التغيرات الموسمية، والتغيرات في الدورة النهارية، والتغير في موقع الشمس في السماء نسبة إلى خط الاستواء. عندما يميل أحد نصفي الأرض باتجاه الشمس يكون عندها الفصل صيفاً في ذلك النصف، حيث ترتفع درجات الحرارة ويزداد طول النهار. وينعكس هذا الوضع كل ستة أشهر.
تاريخ الدراسة في العصورالقديمة، اعتقد علماء الفلك أن الأرض جسم كوني ثابت، وأن كلا من القمر والشمس والكواكب والنجوم تدور حولها. وخلال العصور الكلاسيكية القديمة أصبح هذا الأمر رسمياً في النظم الكونية التي كتبها الفلاسفة وعلماء الفلك مثل أرسطو وبطليموس- والذي عُرف فيما بعد باسم النموذج البطليمي (أو نموذج مركزية الأرض) للكون. ومع ذلك، كان خلال العصور القديمة أولئك الذين شككوا بهذا الإجماع. واحدة من نقاط الاختلاف ليس فقط ثبات الأرض، بل عدم دورانها. على سبيل المثال نشر أرستارخوس Aristarchus من جزيرة ساموس اليونانية (حوالي 310-330 قبل الميلاد) كتابات حول هذا الموضوع ذكرها معاصروه مثل أرخميدس. وفقاً لأرخميدس تبنى أرستارخوس فكرة أن الأرض تدور حول الشمس، وأن الكون أكبر بعدة مرات مما كان يُعتقد سابقاً. وبعد ذلك أتى سلوقس Seleucis من سلوقية (حوالي 190-150 قبل الميلاد)، وهو عالم فلكي هيليني عاش في الجزء الشرق الأدنى من الامبراطورية السلوقية. وكان سلوقس مؤيداً لنظام أرستارخوس الذي يقول بمركزية الشمس heliocentric system، وربما أثبت صحته من خلال الحسابات الدقيقة لمواقع الكواكب، ودوران الأرض حول مركز كتلة الأرض- القمر.
من شأن نموذج مركزية الأرض للكون أن يعترض عليه علماء الدين الإسلامي والهندي في القرون الوسطى. على سبيل المثال، في عام 499 ميلادي نشر العالم الفلكي الهندي أريابهاتا Aaryabhata رائعته الـ أريابهاتيا Aryabhatiya، حيث اقترح فيها أن الأرض تدور حول محورها، وحركات الكواكب نسبة إلى الشمس. وفي القرن العاشر الميلادي عارض عالم الفلك الايراني أبو سعيد الجرجاني (المُلقب بـ السجزي نسبةً إلى بلده سجستان) نموذج بطليموس بتأكيده أن الأرض تدور حول محورها. وهذا ما يفسر دورة النهار، ودوران النجوم بالنسبة إلى الأرض. وفي نفس الوقت ناقش أبو الريحان البيروني (973-1048) إمكانية دوران الأرض حول محورها وحول الشمس، على الرغم من أنه اعتبر أن هذه قضية فلسفية وليست قضية رياضية. وفي مرصد مَراغة وأولوغ بيك (تُعرف باسم سمرقند)، تم مناقشة دوران الأرض من خلال عدة أجيال من علماء الفلك خلال القرنين الثالث عشر والخامس عشر، وتم تقديم العديد من الحجج والبراهين التي تشبه تلك التي قدمها العالم كوبرنيكوس Copernicus. وفي نفس الوقت نشر نيلاكانثا سوماياجي Nilakantha Somayaji أريابهاتيابهاشيا Aryabhatiyabhasya (وهي عبارة عن شرح لـ أريابهاتيا) والتي دافع فيها جزئياً عن نموذج مركزية الشمس بالنسبة للكواكب. تبع ذلك عام 1500 المقالة تانتراسانجراها Tantrasangraha والتي أدرج فيها سوماياجي دوران الأرض حول محورها.
في القرن الرابع عشر بدأت فكرة مركزية الشمس وحركة الأرض بالظهور في أوروبا. على سبيل المثال، ناقش الفيلسوف الفرنسي بيشوب نيكول أورسمه Bishop Nicole Oresme (حوالي 1320-1325 وحتى 1382 ميلادي) إمكانية دوران الأرض حول محورها. ومع ذلك، كان الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus الذي كان له أكبر الأثر في علم الفلك الحديث، عندما نشر عام 1514 أفكاراً حول مركزية الشمس للكون في مقال مختصر بعنوان "التعليق الصغير" Little Commentary. وكبقية من سبقوه، بنى كوبرنيكوس عمله بالاعتماد على ما قدمه عالم الفلك الإغريقي أرستارخوس، وكذلك تكريماً لمدرسة مراغة، والعديد من الفلاسفة البارعين من العالم الإسلامي (انظر في الأسفل). أصّل في نموذجه حقيقة أن الأرض، وباقي الكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وتدور حول محورها، ويدور القمر في مدارٍ حولها. كل الشكر للعلماء مثل غاليليو Galileo والسير إسحاق نيوتن Sir Isaac Newto، وذلك لأن حركة كوكبنا ودورانه حول محوره أصبحت أموراً علمية متفقاً عليها. ومع ظهور عصر الفضاء، ونشر الأقمار الصناعية والساعات الذرية، فنحن لم نؤكد فقط حركتها، ولكننا استطعنا أيضاً قياس حركتها ومدارها بدقة عالية جداً.